مر اليوم العالمي لمرض نقص المناعة المكتسبة، أي الإيدز، والذي يحل كل عام في الأول من ديسمبر، مرور الكرام هذا العالم، حيث لم يحظ بتغطية إعلامية تذكر، على الرغم من أن هناك قرابة 38 مليون شخص حول العالم مصابون حالياً بهذا المرض، يضاف إليهم 1.5 مليون إصابة جديدة سنوياً، ويلقى من هؤلاء 680 ألف شخص حتفهم سنوياً بسبب المرض.

ويعود تراجع الاهتمام بمرض يتوقع له أن يقتل أكثر من سبعة ملايين شخص خلال العقد الحالي، إلى سببين رئيسيين: الأول هو انشغال العالم بوباء «كوفيد-19»، خصوصاً مع ظهور المتحور أوميكرون.

والثاني هو أن الجنس البشري وصل إلى حالة من التعايش مع فيروس الإيدز، وخصوصاً بعد أن نجحت مضادات الفيروسات في الإبقاء على حياة المصابين لمدة قد تزيد على عقدين أحياناً. حالة التعايش تلك، والتي يؤمل أن يصل إليها الجنس البشري أيضاً مع فيروس «كوفيد-19»، تمثل الحلقة الأخيرة من صراع أبدي بين الإنسان وبين جيش متنوع من أصناف وأنواع الفيروسات.

وبخلاف الإيدز والكوفيد والسارس.. تتسبب الفيروسات في قائمة طويلة من الأمراض المعدية الخطيرة، نذكر منها: التهاب الكبد الوبائي (بأنواعه المختلفة)، والإنفلونزا، والحصبة العادية، والحصبة الألمانية، والنكاف، والسعار (داء الكلب)، وشلل الأطفال، والالتهاب الرئوي الحاد، والتهاب السحايا.. وغيرها الكثير.

ولن يتسع المقام هنا لحصر الوفيات الناتجة عن الأمراض الفيروسية، لكن يُعتَقَد أن الفيروسات تحصد حياة الملايين من البشر سنوياً. ويكفي أن نذكر هنا أن «كوفيد-19» وحده قتل حتى الآن أكثر من 5 ملايين شخص، بينما يظل فيروس الإنفلونزا يقتل أكثر من ربع مليون سنوياً. وعلى ما يبدو فإن هذا الصراع التاريخي تدور رحاه سجالاً، في سباق تسلح أبدي.

فبدايةً، لم يعرف الإنسان بوجود هذه الكائنات تحت المجهرية إلا قبل قرن واحد فقط، وقد استطاع تطوير مضادات لها، إلا أنها ما زالت محدودةَ العدد والفعالية.

وإن كان الإنسان قد استطاع تطوير سلاح أكثر فعاليةً ضد الأمراض الفيروسية، ألا وهو التطعيمات الطبية، والتي خفّضت أعداد الضحايا جراء الكثير من الأمراض، بنسبة تزيد على 90 في المئة. بل نجحت التطعيمات بالفعل في القضاء على بعضها تماماً، مثل فيروس الجدري، والذي يُؤمل أن يلحق به فيروس شلل الأطفال عن قريب. وفي المقابل، تسلحت الفيروسات بقدرتها على التحور والتغير، من خلال تعديل تركيبتها الوراثية لتفلت من جهاز المناعة، واستمرت أنواع جديدة منها في القفز من الكائنات الحية الأخرى إلى بني البشر.. ويستمر الصراع.

*كاتب متخصص في القضايا العلمية والصحية