في زيارة رفيعة المستوى للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مطلع هذا الشهر لمنطقة الخليج، رافقه خلالها أهم أركان حكومته، حط ماكرون رحاله في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث التقى بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ليتوجه بعدها إلى قطر، ثم المملكة العربية السعودية، حيث التقى صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود، في زيارة تعد مميزةً في أهميتها والأهداف التي جاءت من أجلها، وأهمها تعزيز البعد الاستراتيجي بين دول الخليج وجمهورية فرنسا وعقْد تحالفات جديدة وتعاون بعيد المدى.

تعد منطقة الخليج البوابة الأهم والأكثر استقراراً للشرق الأوسط من أجل أي تحالفات قوية لدول العالم الأول، أياً كان نوع هذه التحالفات، سياسية كانت أم اقتصادية أم عسكرية. ورغم حاجة منطقة الخليج إلى تنويع الحلفاء شرقاً وغرباً في هذه المرحلة الحساسة التي تشهد العديد من الأزمات، بالإضافة إلى المفاوضات الجارية في فيينا حول الملف النووي الإيراني، ومسارات الدور الفرنسي المؤثر في المفاوضات والحاجة إلى توسيع رقعة التحالفات السياسية والاقتصادية التي باتت ضرورةً ملحةً، إلا أن زيارة ماكرون جاءت أيضاً لحاجة فرنسا الماسة إلى الولوج من خلال هذه البوابة المستقرة، خاصة أن الجمهورية الفرنسية تطمح إلى عودة دورها الدولي والإقليمي في المنطقة مع تراجع الدور الأميركي وتعكّر الأجواء السياسية بين فرنسا وبعض دول أوروبا، ومع تراجع العلاقات الفرنسية الأميركية بسبب الصدامات التي حدثت مع إدارة بايدن الحالية حول أفغانستان والانسحاب الأميركي الذي ترك الحلفاء الأوروبيين في موقف سيء للغاية.

وهذا بالإضافة إلى خلافات أخرى تتعلق بالضربة التي وجهتها الولايات المتحدة لفرنسا عبر تحالف (أوكوس)، وكانت نتيجتها إلغاء صفقة بيع الغواصات الفرنسية لأستراليا، مما كلّف الصناعات الدفاعية الفرنسية خسائر تقدر بنحو 90 مليار دولار. وهذا بالإضافة إلى عرقلة مصالح فرنسا وأوروبا في المحيطين الهندي والهادئ.

وكذلك محاولة إفشال التزامها حيال أزمة انفجار مرفأ بيروت وترجمته إلى تحرّك فعلي لمحاصرة الذين يقفون وراء مآسي لبنان، وهو أمر ناقشه الرئيس الفرنسي مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته للمملكة، حيث اتفق الطرفان الفرنسي والسعودي على إلزام لبنان بتنفيذ «اتفاق الطائف».

كما تناول الجانبان عدة قضايا في المنطقة العربية شملت اليمن والسودان وليبيا والعراق وسوريا ولبنان، واتفقا على ضرورة إجراء الحكومة اللبنانية إصلاحات شاملة والتزامها بـ«اتفاق الطائف» المؤتمن على وحدة لبنان الوطنية وسلمه الأهلي، وبحصر السلاح في مؤسسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي عمليات إرهابية قد تزعزع أمن واستقرار المنطقة أو مصدراً مشبوهاً لتجارة المخدرات، مع التأكيد على تعزيز دور الجيش اللبناني في حفظ الأمن والاستقرار الداخليين.

وهنا يتضح جلياً أن البيان الرسمي المشترك للزيارة أكد ضمنياً أن أي استقرار للبنان لن يتحقق دون حصر السلاح بالجيش وتقليص دور «حزب الله» هناك. وفي حين يركز الإعلام الحصيف أنظاره على مستوى الصفقات الاقتصادية والعسكرية بين دول الخليج وفرنسا والاتفاقيات ذات الأبعاد العميقة، سياسياً واقتصادياً، والتعاون الإستراتيجي المرتقب جراء هذه الصفقات، فإن بعض وسائل الإعلام الضحلة في مهنيتها وتحليلاتها تعزو الزيارة الرفيعة إلى ترميم العلاقات المتدهورة مع لبنان وربطها باستقالة وزير الإعلام جورج قرداحي تلبيةً لرغبة المملكة العربية السعودية في ذلك كشرط للاتفاق السعودي الفرنسي.. وهذا تحليل قاصر وخاطئ جملةً وتفصيلاً، فإساءة وزير مستجد في حكومة لبنان الحالية لا تعني للمملكة كثيراً، خصوصاً أنها ليست المرة الأولى التي يسيء فيها وزير لبناني للمملكة، بل وللخليج كافةً، وقد لا تكون الأخيرة، فالاستقالة من عدمها لن تضيف لدولة كبرى كالمملكة العربية السعودية شيئاً على عكس ما تنتقصه الإساءة من لبنان، حكومةً وبلداً، وعليه فإن النقاش حول الاستقالة وربطها بأحداث مجدولة هو في الأصل أمر لا يتسق وحجم المملكة، سواء جاءت كاعتذار أو كمحاولة لترميم علاقات لبنان الخارجية!

*كاتبة سعودية