أتيح لي أن أواكب عقوداً من نمو دولة الإمارات العربية المتحدة منذ سبعينيات القرن الماضي، وأن أقيم فيها سفيراً لبلادي، وأن أعود إليها مقيماً، وأن أشهد المعجزة التنموية فيها، وأن أتأمل بإمعان أسرار نجاحها في تحقيق قفزة نوعية خلال خمسين عاماً من العمل الدؤوب، حتى تمكنت من الفوز بالصدارة على صُعُد مختلفة في ميادين التقدم عالمياً. وكانت كلمة السر في كل هذا النجاح هي الإخلاص للشعب وللوطن. وقد يثير هذا سؤالاً: أكان الآخرون يفتقرون إلى الإخلاص لشعوبهم وأوطانهم؟ وأجيب بصراحة: ربما كان إخلاص بعضهم لأنفسهم وسلطتهم أكبر من إخلاصهم لشعوبهم وأوطانهم. وقد شهدت بلدان نامية قبل ستين عاماً ونيفاً متواليات من الثورات والانتفاضات والانقلابات، وظهر زعماء سياسيون وقادة عسكريون بالغوا في ترديد الشعارات البراقة والخطابات البليغة، لكن بلادهم غرقت في الفساد، وانتهت إلى مستنقعات من التخلف والانحدار، وابتلع بعضَها «الربيعُ العربيُّ» الذي سرعان ما تحول إلى شتاء موحل، وكان بوسع أولئك القادة أن يحققوا لبلدانهم تقدماً هائلاً تمكِّنهم منه ثرَواتُ بلادِهم وإمكاناتُها الضخمةُ، لكن أهدافَهم اقتصرت على التمكن من السلطة دون الاهتمام بمتطلبات الشعوب وحاجتها للحرية وللعيش الكريم. ولست أعمم في التجربة، ولست أغفل عن ظروف آسرة وجهت مسارات التاريخ القريب، لكني أدرك أن بعضهم حرص على تحويل الجماهير إلى قطيع يصفق ويهتف لاهثاً وراء لقمة العيش، وتقديم الولاءات الظاهرية، لكنه متوقف عن التفكير وعن المشاركة الحيوية في بناء مستقبل الوطن، رغم ما تم إنفاقه من ميزانيات ضخمة على التعليم والخدمات والتسلح، حتى بات الناس في دول عربية عديدة يحنون إلى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي حين كانت الجامعات العربية الشهيرة تنافس في جودة التعليم دول العالم المتقدم، ويوم كانت الصناعة والزراعة في بعض البلدان العربية تبشر بنهضة صناعية وزراعية نوعية، سرعان ما أجهضتها تجارب الاشتراكية الفاشلة.
وحين كان قلب الأمة النابض يبحث عن وحدة الأمة ويخفق في تحقيقها، تمكن الشيخ زايد وأشقاؤه حكام الإمارات، رحمهم الله جميعاً، من تحقيق وحدة صلبة متينة الأسس، كانت الوحيدة التي نجحت في القرن العشرين، لأن قادتها جعلوا بناءَ دولتهم وخدمةَ شعبهم هدفاً لا محيد عنه، وكان الاستخدام الأمثل للثروة النفطية وتوظيفَها لبناء الدولة ورفاه المجتمع نتاجَ عقل راجح ورؤية سديدة، وكرم باذخ وعطاء كبير امتد إلى الساحات العربية والإسلامية والعالمية.
ولقد أتاحت دولة الإمارات لملايين المقيمين في رحابتها أن يشعروا بأنها وطنهم الثاني، ومع إقرار الإقامات الذهبية صارت الموطن لمن شاركوا في مسيرة الدولة. وبمناسبة الخمسين لابد من إحياء ذكرى الآباء المؤسسين الذين أنجزوا بنجاح بناء الإنسان وأدركوا أنه أهم الثروات وأنه الوسيلة والغاية والهدف.
كان الآباء المؤسسون يدركون خطر تحول الثروة إلى عبء، فجعلوها طاقة نمو لا حدود له، ونفوا أن يكون ثمة مستحيل أمام الإرادة الواعية، وهكذا صارت مدن الإمارات نموذجاً لمدن الحداثة في العالم كله. 
طوبى لشعب الإمارات ولحكامها ولكل المقيمين فيها ممن يسهمون في بنائها، وينعمون بخيراتها. وتحية شكر وامتنان لهذا الشعب العربي الأصيل الذي فتح قلبَه لكل شعوب الأرض، وتحية للقادة الذين يخلصون لوطنهم، ويقدمون له أسباب الرفاهية والرخاء وأسباب التقدم النوعي المتنامي.
وطوبى للمرأة الإماراتية التي حققت حضوراً متميزاً في كل ميادين العمل والإبداع، وتحية لأولئك الذين يخططون لمستقبل المئوية ويمضون في برامج النمو المستدام والمتصاعد، حيث النظرة البعيدة الكاشفة، ضمن رؤية استراتيجية مبرمجة ومدروسة، وها هي ذي دولة الإمارات تعيد بناء جسور التفاهم والتقارب وحل النزاعات سلمياً ودبلوماسياً في دول المنطقة، وتخضع كل السياسات لفحص شامل للجدوى، وتختار ما يناسب مصالحها وبرامجها التنموية، وتعزز حضورها العربي والدولي، وتمارس حقَّها السيادي في توجهاتها، وتقود سفينتها بأمان واطمئنان في بحر العواصف العالمية الهائجة. 

وزير الثقافة السوري السابق