لكل شيء في الإمارات طابعه المتميّز الذي يعبّر عمّا حققته هذه الدولة الفتية من تطور يشهد له القاصي والداني في المجالات كلّها، ومن أهمها المجتمعي الذي يركّز على استلهام القيم النبيلة والمعاني السامية ونشرها وتعزيزها لدى أبناء المجتمع، ليكونوا في المحصّلة كالبنيان المرصوص الذي يشدّ بعضه بعضاً. 
ولأن مجتمع الإمارات شابٌّ وحيوي ومتفاعل، فإن المتابع والناظر في أسلوب الحياة فيه يجد التزاماً كبيراً لدى السواد الأعظم من أبنائه بالإسهام فيما يحقق الصالح العام، وحرصاً بيّناً على الانخراط في الأنشطة والفعاليات التي تخدم فئاته المختلفة، وتسابقاً في كثير من الأحيان على الظفر بالفرصة التي يمكن من خلالها للفرد أن يقدّم ما تيسّر له من جهد في مسيرة هذا الجمع المبارك.
هذا الأمر يمكن أن نراه ونلمسه بوضوح تامّ إذا ما ألقينا نظرة على العمل التطوعي في الإمارات الذي يمثّل واحداً من شواهد التطوّر والتحضر، ودليلاً لا شبهة ولا لبس فيه على عمق الانتماء في قلب كل مواطن ومقيم لوطن وفّر بلا مِنّة لكل من عاش على ترابه حياة كريمة وعيشاً طيباً، وأتاح للجميع الفرص بلا حدود لتحقيق ما يصبُون إليه، وجمع بينهم في صورة لا أبهى ولا أجمل من الإخاء والتعايش والتكافل والتعاضد الذي عزّ أن تجد له شبيهاً في مكان آخر.
فما إن تعلن أي جهة من جهات العمل التطوعي في الدولة عن فرص للمشاركة في تنفيذ نشاط يخدم المجتمع أو إحدى فئاته، حتى رأيت التسابق والإقبال بشغف على المشاركة من كل قادر على الإسهام، وصدقاً وإخلاصاً في العطاء وسعادة ترتسم على المحيّا، حتى غدا التطوّع ثقافة عامّة ونهجاً راسخاً، وتشريفاً يطلبه كل من استطاع إلى ذلك سبيلاً.
والواقع أن كل ما تحقق للإمارات في هذا المجال ليس وليد المصادفة ولا الحظ، وإنما هو نتيجة لنهج قيادي إنساني أرساه المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وسارت عليه القيادة الرشيدة، وعلى المستويين المحلّي والخارجي، إذ شجّعت العمل التطوعي، ووجهت بإتاحة فرص المشاركة فيه لكل من يملك فطرة حبّ العطاء، وكانت السبّاقة دوماً في التطوّع لمساعدة وإغاثة ونجدة كل محتاج ومنكوب من مشارق الأرض إلى مغاربها.
وإذ احتفلت الإمارات مع العالم بيوم التطوّع الذي صادف أمس، الخامس من ديسمبر، فإنها تزهو بما حقّقته من منجزات وما بلغته من مراتب بين نظيراتها في مجال العمل التطوعي، الذي بات رديفاً مؤثراً للعمل الرسمي، ومكّنها من مواجهة وتجاوز مختلف الأزمات والتحديات باقتدار، فهي لم تبخل على أبنائها يوماً، فكان غرسها طيباً وكان نبته طيباً، وها هي تجني ثماره اليوم مزيداً من السعادة والتكافل والازدهار. 

عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية