على مر العصور كان للكلمة صداها، وكان للمثقف ميسم اللغة، والتي تحمل في ثناياها صوت التاريخ، ورائحة الإرث، ما يجعل للثوابت دسراً، تحفظ حق الأمم في الدفاع عن أحلامها، والذود عن حياضها وما تكتنزه من رموز، وهمزات الوصل بين أجيالها.
ولكل بلد سمات، وشخصية، وشمتها تلك الأعمال الإبداعية التي أنجزها أشخاص ينتمون إلى هذا البلد أو ذاك، الأمر الذي يفرض على العالم بأن يتقي شر الغربلة، ويتفادى خلط الأوراق، ويتلاشى تسميم التاريخ بطموحات وهمية، ويتجنب حرق المراحل، ويعمل جاهداً إلى الإيمان بوحدة الوجود، وتلاحم الإرادات دون ذوبان بعضها، وصعود الأخرى على عاتق سواها.
الإشادة العالمية بصعود دبي إلى المركز الخامس عالمياً ضمن مؤشر «المدن العالمية القوية 2021» الصادر عن مركز عن معهد الاستراتيجيات الحضرية اليابانية في المجال الثقافي، هذه الإشادة جاءت لتلبي رغبة دبي الدائمة في تثبيت حضورها الثقافي، وتأكيد وجودها الإنساني على الساحة العالمية.
فاليوم تتسابق الأمم من أجل ترسيخ واقع، يشير إلى علاماتها المتميزة في مجال الإبداع الثقافي، وقوتها الناعمة، وهيمنتها الواسعة على محيط يمتد بين القارات الخمس.
هذا الوجود، يضع دبي في مركز الدائرة، وفي محيطها، ويعلق الإنسان الإماراتي آمالاً عريضة على توجه حكومته الرشيدة، ورعايتها للثقافة كمساق، وميثاق، ووثاق، واهتمامها بهذا المنجز كونه الأنملة والقلم، والسبر والحبر، في حفظ حقوق الدولة فيما قدمته الأجيال السابقة، وما يتم إنجازه في واقعنا الحاضر.
فالأمم تتباهى، وتعتز بتراثها كونه السقف الذي يحمي حاضرها، من تشظي الزمن، ولعبة الأدوار البشرية.
الإمارات منذ عهد حضاراتها السابقة وما قبل الاتحاد، وهي تسبح على ثروات ثقافية هائلة، وقد شقت سفنها عباب البحر كما وثبت ركابها على رمل الصحراء، وما بين هذين الواديين السحيقين، هناك شفرات زاهية
من ثقافة ازدهرت، وأينعت، وتوارت خلف سدل الزمن، لكنها لم تتلاش، بل ظلت ترمق عالمها بعيون كأنها النجوم البعيدة، في انتظار من يستقل مركبته الفضائية، ليعانقها، ويشد من أزرها، ويقول ها هنا تقع البؤرة المضيئة لبلد استطاع خلال خمسين عاماً أن يحتل مكانته في العالم بفضل قيادة آمنت بأن الثقافة هي مربط الخيل، وهي سنام الجمل.