يواجه تجمع «ريك» الذي يضم كلا من الهند والصين وروسيا، والذي تشكَّل منذ فترة، العديد من التحديات والخلافات الثنائية بين أعضائه.

وفي الأسبوع الماضي عقدت الدول الثلاث اجتماعاً افتراضياً لوزراء خارجيتها هو الجولة الثامنة عشرة للمحادثات فيما بينهم. وكان اجتماعاً مهماً لأنه يأتي في وقت تمر فيه الهند والصين بواحدة من أسوأ فترات علاقتهما الثنائية، بسبب التوترات الحدودية التي تفجّرت العام الماضي ولم تجد حلها النهائي بعد.

وقد أثبت مضيُّ كلا البلدين قدماً في محادثات «ريك» أنه فيما لم ترْقَ هذه المجموعة إلى مستوى إمكاناتها بعد فإنها ما تزال تجمعاً مهماً متعدد الأطراف، رغم وجود مناطق للخلاف بين الدول الثلاث. حضر الاجتماع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ووزير الخارجية الهندي جائي شنكر ووزير الخارجية الصيني وانج يي.

وبالنسبة للدول الثلاث، تعد أفغانستان بمثابة منطقة قلق رئيسية، لذا فقد ناقش الوزراءُ هذه القضية، إذ يؤثر عدم الاستقرار في أفغانستان على بلدان أخرى أيضاً في المنطقة. وأعربت الدول الثلاث عن قلقها إزاء تفاقم الأزمة الإنسانية في أفغانستان، وانتشار تجارة المخدرات في أنحاء البلاد التي مزقتها الاضطرابات، والتي غرقت في أزمة اقتصادية بعد استيلاء «طالبان» على البلاد في أغسطس وانهيار الحكومة السابقة.

وفي بيان صدر بعد المحادثات، أعرب الوزراء الثلاثة عن «مخاوفهم المتزايدة بشأن التغيير الدراماتيكي للوضع في أفغانستان». لكن التطور الرئيسي كان أن الدول الثلاث، بما فيها الهند، انتقدت الولايات المتحدة لفرضها عقوبات أحادية الجانب على دول أخرى متجاوزةً مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومن الواضح أن التطورات في أفغانستان تؤدي إلى تحول طفيف في الموقف الهندي.

ففيما لا تزال الهند قريبة من الولايات المتحدة وتظل علاقتها بها هي الأهم، كانت نيودلهي حريصة أيضا على إحياء العلاقات المتراخية مع روسيا. وكان هذا جلياً في اجتماع تجمع «ريك»، حيث اتفق وزير الخارجية الهندي مع نظيريه الصيني والروسي على رفض «عقوبات أحادية الجانب تتجاوز تلك التي اعتمدها مجلس الأمن وكذلك الولاية القضائية طويلة المدى التي تتعارض مع مبادئ القانون الدولي، والتي قللت من فعالية وشرعية نظام عقوبات الأمم المتحدة». كما دعا الوزراء الثلاثة إلى مزيد من تعزيز وتقوية أساليب عمل لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن من أجل ضمان «فعاليتها واستجابتها وشفافيتها».

ويأتي اجتماع «ريك» أيضاً بعد أن بدأت الهند في تسلم أنظمة صواريخ الدفاع الجوي «إس-400» من روسيا. في عام 2018، وقعت الهند صفقة بقيمة خمسة مليارات دولار مع روسيا لشراء خمس وحدات من أنظمة صواريخ الدفاع الجوي «إس-400». ويذكر أن الهند، التي أكدت على الكيفية التي ستتخذ بها القرارات مع وضع متطلباتها الدفاعية في الاعتبار، قد مضت قدماً في عملية الشراء وسط تحذير من إدارة ترامب آنذاك بأن الشراء سيدعو إلى فرض عقوبات أميركية.

وبينما بدأت الهند في الاستلام، لم توضح إدارة بايدن بعد ما إذا كانت ستفرض عقوبات على الهند بموجب أحكام قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال فرض عقوبات، والمعروف اختصارا بـ CAATSA.

بموجب هذا القانون، يمكن للولايات المتحدة أن تتخذ إجراءات عقابية ضد أي دولة تشارك في معاملات مع قطاعي الدفاع والاستخبارات الروسيين. وقد فرضت الولايات المتحدة بالفعل عقوبات على تركيا بموجب هذا القانون لشرائها أنظمة الدفاع الصاروخي «إس-400» من روسيا. ويوضح اجتماع «ريك» أن الهند تسعى إلى تحقيق التوازن. كما أظهرت التطورات في أفغانستان أهمية توازن الهند علاقاتها.

ففي حين أنها تقترب أكثر من الولايات المتحدة، فقد لاحظت أيضاً أهمية الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا. من الواضح أن الهند ستستفيد من العلاقات الجيدة مع روسيا، خاصة بعد التطورات في أفغانستان. وبالطبع يبقى أن نرى كيف يتطور ذلك في المستقبل وكيف ستوازن الهند علاقاتها.

لا تزال هناك خلافات بين الدول الثلاث، وكان هذا واضحاً أيضاً. وكان هذا الاختلاف في النهج المتبع تجاه القضية الحاسمة المتعلقة بمنطقة الهند والمحيط الهادئ. ومن جانبه، وصف وزير الخارجية الروسي، في تعليقاته على منطقة المحيط الهندي والهادئ، الأمر بأنه «ليس شراكة بين أنداد»، وأيد فكرة آسيا والمحيط الهادئ كإطار عمل «أكثر شمولا وتناغماً».

واتفقت الصين مع وجهة نظر روسيا هذه. يذكر أن الهند والولايات المتحدة واليابان وأستراليا قد شكلت إطاراً رباعياً لضمان ممرات بحرية حرة ومفتوحة في منطقة الهند والمحيط الهادئ. بيد أن كلا من الصين وروسيا انتقدتا هذه المبادرة. وذهبت روسيا إلى حد القول بأن مثل هذه التجمعات تذكرنا بالحرب الباردة. ومع ذلك، أظهر اجتماع وزراء خارجية «ريك» أن دولها الثلاث، على الرغم من الاختلافات، لديها مجالات تقارب حيث يمكنها العمل معاً.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي