ولما جاء اليوبيل الذهبي لدولة الإمارات العربية المتحدة، كان النجاح الذي تحقق عاماً بعد آخر قد بلغ ذروة جديدة، وانتقل من الأرض إلى الفضاء حيث يواصل مسبار الأمل مهمته الأولى من نوعها في كوكب المريخ لكشف أسرار غلافه الجوي. يحل العام الخمسون، فيما الدولة التي وُضع أساسها الاتحادي في 2 ديسمبر 1971 مُصَّنفة ضمن البلدان العشرة الأوائل في كثير من المجالات وفق ما تُخبرنا به المؤشرات الدولية المُعتمدة. فقد حققت المركز الأول عالمياً في 121 مؤشراً، والمركز الأول عربياً في 437 مؤشراً، وكلها صادرة من مؤسسات دولية مُعتبرة وموثوقة.

وعلى سبيل المثال فقط، جاءت الإمارات في المركز الأول في مؤشر غياب البيروقراطية، والثاني في مؤشر قدرة الحكومة على التكيف، في تقرير التنافسية العالمية الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية، وفي المركز الثالث في مؤشر مدى استجابة الحكومة للتغيير، والرابع في مؤشر وجود رؤية بعيدة المدى، وفق تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) 2020.

لقد أصبحت دولة الإمارات نموذجاً للنجاح والإنجاز والعقلانية والتعايش والتسامح.. نموذجاً يُبهر البعض، ويُحير آخرين، لكنه يُلهم أكثر من هؤلاء وأولئك في أنحاء العالم. وكثيرة هي العوامل التي أتاحت بلوغها هذه المرتبة، فصارت نموذجاً يسعى العُقلاء والتواقون للنجاح إلى الاحتذاء بهذا الجانب أو ذاك فيه. عوامل مُتراكمة تعود بدايتها الأولى إلى خمسين عاماً مضت حين أُعلن الاتحاد بعد نحو عشر سنوات فقط على فشل الوحدة المصرية السورية، فظن البعض في المنطقة، وفي العالم، أنه قد لا يستمر. لكنه لم يبق ويتطور فقط، بل نجح وحققت الدولة التي بُنيت على أساسه من الإنجازات ما فاق توقعات أشد المتفائلين.

فقد أُسس هذا الاتحاد ودولته على التفاهم وحسن الإعداد، وتوافرت له القيادة الحكيمة التي رعته، وأتاحت له مقومات الإقلاع، وفتحت أمامه آفاقاً لا نهائية للنجاح والتقدم. دولة أُسست على رؤية عميقة وبعيدة المدى للواقع الذي نشأ فيه، والمستقبل الذي حسب المؤسسون حسابه، فاستطاعوا التعامل مع المُتغيرات الإقليمية والدولية، والحيلولة دون انعكاس أزمات مُتوالية عصفت بالمنطقة على دولتهم وشعبهم.

وكان للصيغة الفريدة التي بُني الاتحاد ودولته على أساسها أثرُها في ضمان الاستقرار اللازم للعمل من أجل التقدم. وهي صيغة اتحادية، ولكنها تختلف جزئياً عن نظائرها في أكثر من 30 دولة اتحادية في العالم، ومن أهمها أميركا وروسيا وألمانيا وسويسرا وأستراليا والهند وغيرها. فقد أفضى حوار جاد كان نموذجاً قائما بذاته بين المؤسسين إلى توافق على صيغة اتحادية (فيدرالية) تتضمن أهم مزايا الصيغة المركزية في جانب، وأفضل ما في الصيغة التعاهدية (الكونفيدرالية) في جانب آخر، لتحقيق توازن بين اختصاصات السلطة الاتحادية وصلاحيات الإمارات السبع، ومن ثم الابتعاد عما أحبط محاولات وحدوية واتحادية عدة قبل تأسيس دولة الإمارات وبعده.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية