أعلن يان كوبيش المبعوث الأممي لليبيا استقالته في 23 نوفمبر على نحو مفاجئ، وإن قيل إنها كانت مفاجئة لنا وليس للدائرة المحيطة بالأمين العام للأمم المتحدة، على أساس أن كوبيش ألمح لاستقالته غير ما مرة.

وجاءت الاستقالة في وقت شديد الحساسية قبل موعد الانتخابات الرئاسية بشهر، وإن كان البعض غير منزعج لما اتضح من الخبرة الماضية للمبعوثين الأمميين لليبيا ولبلدان الصراعات الأخرى في اليمن وسوريا التي لا تُظهر تأثيراً جذرياً لهم على مسار الأحداث. كما أن تقارير ذكرت أن كوبيش تعهد بممارسة مهام منصبه حتى إجراء الانتخابات، ولم يذكر كوبيش أي سبب لاستقالته على عكس سلفه غسان سلامة الذي عزاها لأسباب صحية.

لكن تقارير أشارت إلى أن السبب في الاستقالة قد يكون الخلاف حول «مقر» ممارسة مهامه، هل يكون طرابلس (كما قضى بذلك قرار لمجلس الأمن) أم جنيف كما يريد كوبيش نفسه؟ وحتى لو كان هذا السبب صحيحاً فإن المسألة ليست شكلية بالتأكيد، إذ المعروف أن ثمة بعداً جغرافياً للانقسام الراهن في ليبيا، بمعني أن الصراع في أحد أبعاده صراع بين شرق ليبيا وغربها، بحيث إن عمل المبعوث الأممي من مقرٍ له في الغرب يمكن أن يعرّضه لضغوط أو يلقي بظلال من الشك على حيدته، ناهيك بعامل الأمان الذي قد لا يتوفر حال استئناف القتال.

ومع ذلك فإن استقالة كوبيش يجب أن توضع في السياق العام لتعقد الصراع في ليبيا والعجز الواضح للأمم المتحدة عن حماية مسار التسوية السياسية وفقاً لخارطة الطريق التي توصل إليها منتدى الحوار الليبي برعاية أممية في نوفمبر2020، وهو سياق لا تنفرد به ليبيا وحدها وإنما ينطبق على الصراعات في بلدان عربية أخرى كما هو الحال في سوريا واليمن. لقد بلغ عدد المبعوثين الأمميين في كل منهما أربعة منذ بدء الصراع دون أن يحقق أي منهم تقدماً ملموساً، وهو نفس الوضع في ليبيا التي كان كوبيش المبعوث الأممي السابع لها.
وإذا قصرنا محاولة تفسير الفشل المتكرر للمبعوثين الأمميين في إيجاد حلول أو حتى تسويات للصراعات على الحالة الليبية، فإن هذا التفسير لا بد وأن يركز على متغيرين هما التعقد البالغ للصراع والضعف الواضح للأمم المتحدة التي يمثلها هؤلاء المبعوثون، أما تعقد الصراع فهو شديد الوضوح ليس فقط من انقسام ليبيا إلى جبهتين كبيرتين في الشرق والغرب، وإنما يمتد الانقسام إلى كل معسكر على حدة، كما يبدو مثلاً من اقتتال المليشيات في الغرب وما ذكرته بعض التقارير عن عدم توافق بين خليفة حفتر وعقيلة صالح (وهو خلاف أكده ترشحهما للرئاسة)، ناهيك بالخلاف بين المؤسسات القائمة في ليبيا كمجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وكذلك بين المؤسسات الوليدة كالمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي من الواضح أن ثمة صراع مصالح بين قوى عربية وإقليمية ودولية عديدة يصعب تسويته سياسياً حتى الآن، حتى بعد أن اتضح أن حسمه عسكرياً صعب إن لم يكن مستحيلاً.

أما عجز الأمم المتحدة فلا يحتاج دليلاً، ذلك أن مجلس الأمن من ناحية يتعثر كثيراً في قراراته بشأن ليبيا بسبب تضارب مصالح أعضائه الدائمين. وحتى عندما يمكن الوصول إلى قرارات توافقية مهمة بشأن إدارة الصراع، كما هو الحال في قرارات منع تصدير الأسلحة لأطراف الصراع أو ضرورة خروج المرتزقة والقوات الأجنبية، فإن هذه القرارات لا تُحترم ولم يقم المجلس بأي عمل فعال لفرض احترامها.

وفي هذا الإطار المحلي والإقليمي والدولي يستطيع المرء أن يفهم الفشل المتكرر للمبعوثين الدوليين وإحباطهم. 

*أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة