في الوقت الذي انشغل فيه الكثير من المحللين والسياسيين في قراءة زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى تركيا، وانعكاساتها على المنطقة واستقرارها وازدهارها، وبينما كنت أتابع الاستقبال المهيب لسموه في القصر الرئاسي في أنقرة تواردت عليَّ الأفكار حول موقعنا في العالم، وعادت بي الذاكرة إلى الطريق الطويل منذ البدايات الصعبة لقيام الاتحاد وحتى يومنا، هذا حيث أصبحت بلادنا ذات تأثير وثقل لا ينكره أحد على المستويين الإقليمي والدولي.
اليوم وبلادنا تلعب دوراً محورياً في مختلف القضايا والملفات لما لها من ثقل سياسي واقتصادي جعل منها دولة ناشطة وذات فعل استباقي، علينا أن ندرك تماماً بأن هذه المكانة ما كانت لتتحقق لولا الحكمة والحنكة وطول النفس الذي تميزت به سياستنا الخارجية، فمنذ خمسين عاماً فقط كُنا مشغولين بالحصول على اعتراف العالم بالدولة الوليدة، وها نحن الآن وقد وصلنا إلى مرحلة تسعى فيها دول من مختلف قارات العالم لبناء الشراكات والتحالفات مع دولتنا نتيجة لسمعتها ومكانتها المرموقة، وهذا ما يؤكده الحضور الدولي الكبير في الإمارات والذي تمثله 130 سفارة عربية وأجنبية.
وفي هذا الجزء الثالث والأخير من مقالات ذكرى الخمسين لقيام اتحاد دولة الإمارات العربية أردت أن أتناول علاقاتنا مع العالم الخارجي، والركائز التي قامت عليها سياستنا الخارجية، وتطورات عملنا الدبلوماسي، وكيف أصبح أكثر اتساعاً وشمولية متعدياً الدور المحصور في القضايا السياسية المحضة.
وأبدأ من محاضرة لمعالي راشد عبدالله النعيمي وزير الخارجية الأسبق في «ندوة الثقافة والعلوم» قبل سنوات، والتي تناول فيها ذكرياته حول السياسة الخارجية في عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حيث وجه له أحد الحضور سؤلاً عن فاعلية وتأثير سياستنا الخارجية في عهد الراحل الكبير مقارنة بالوقت الحاضر، وأجابه بكل حنكة واقتدار بأن الإمارات وبما تمتلكه اليوم من رصيد تنموي وصداقات متعددة وشبكة علاقات واسعة في مختلف قارات العالم هي أكثر فاعلية، فإمارات الأمس هي بكل تأكيد ليست إمارات الحاضر، ولا شك بأن هذه الإجابة تمثل الجسر الرابط بين البدايات الصعبة والموقع الصلب والثابت الذي نقف عليه حالياً.
لقد ولدت دولة الإمارات في خضم ظروف صعبة للغاية وأجواء إقليمية مشحونة، فمع عشية قيام الدولة تعرض عدد من جزرها لاحتلال إيراني غاشم، وتعقيدات مرتبطة بملف الاعتراف بالكيان الجديد ووضع اقتصادي سيئ خلفته 151 سنة من الحماية البريطانية، وتجربة اتحادية فاشلة في الجنوب العربي بعد انسحاب بريطانيا من محمياتها، إلا أن كل هذه العقبات الصعبة لم تكن عصية على قيادة سياسية حكيمة وصبورة أسست لموقع الدولة إقليمياً ودولياً، وقد ارتبط النجاح الخارجي بالإنجاز التنموي والاقتصادي الداخلي، فالترابط بين الوضع الداخلي وإدارة العلاقات الدولية عضوي ومهم، فتأثير الدول ومكانتها الخارجية هو انعكاس لقوتها الداخلية وقدرتها على التنمية وتعزيز الاستقرار والازدهار وضمان رفاه شعوبها، وهذا ما مكَّنَ الإمارات في سنوات التأسيس الأولى من أن تخطو خطوات واثقة نحو تعزيز موقعها كدولة ناشئة وطموحة، وصلت اليوم إلى مصاف الدول المتقدمة عبر حضورها السياسي والاقتصادي بحجم ناتج إجمالي ارتفع من 15 مليار دولار في عام 1975 ليتجاوز اليوم 420 مليار دولار.


صدارة أولوياتنا: عمقنا الخليجي والعربي

ما قامت عليه دولة الإمارات من مبادئ وقيم سامية انعكس بشكل مباشر ومستمر على سياستنا الخارجية، فلطالما كان عمقنا الخليجي والعربي في صدارة أولوياتنا والدفاع عن وحدة المصير محل اهتمامنا، وهذا ما تؤكده العديد من التحركات والمبادرات الشجاعة التي قام بها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، موقف الإمارات إبان حرب أكتوبر 1973، ودوره، رحمه الله، في تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية وموقفه من غزو الكويت ومحاولته إِنقاذ العراق في حرب الخليج الثانية، وهذه كلها شواهد على سياسة خارجية حكيمة تنطلق من بُعد خليجي عربي واضح وموقع يُشار إليه بالبنان.


وعلى المستوى الشخصي وحين تم اختياري وزيرَ دولة للشؤون الخارجية في 2008، فقد جاء هذا الاختيار ليتصل مع شغف وحب للعلاقات الدولية والعلوم السياسية امتد لعقود، فقد كنت ومنذ نعومة أظفاري مهتماً بشكل كبير بالعلاقات الدولية وقارئاً نهماً للمجلات الأسبوعية التي تصلنا من المكتبة الأهلية في دبي وأنا في نهاية المرحلة المتوسطة من الدارسة، وهذا ما دفعني إلى تغيير تخصص دراستي في الولايات المتحدة من الهندسة إلى العلاقات الدولية، ومن ثم انضمامي بعد ذلك إلى قسم العلوم السياسية في جامعة الإمارات العربية المتحدة، وهي سنوات اعتز بها فقد صقلت اهتماماتي وعرفتني على التنوع الغني لبلادنا من خلال تواجدي في مدينة العين الجميلة.
وقد تشرفت خلال ما يزيد على 14 عاماً بالعمل في الدبلوماسية الإماراتية، وهو الجانب الذي يثير اهتمامي الفكري منذ عقود طويلة، فقراءاتي في أغلبها عن الشأن السياسي والدبلوماسي وتاريخ الدول والسير الذاتية ونظريات النظام الدولي، وهذا ما ينسجم مع طبيعتي دائمة الرفض لأفكار التطرف والتشدد، والباحثة عن الاعتدال والوسطية والواقعية مبتعدة عن الأحكام القطعية منذ بدايات الوعي في مراحل الدراسة الأولى.
وخلال عملي وزير دولة للشؤون الخارجية استمرت صداقتي الوثيقة بسمو الشيخ عبدالله بن زايد، الوزير الطموح والكفؤ والذكي، وهو أخ وصديق عملت معه في موقع المساعد الأمين، وهنا لا يفوتني شكر سموه فقد سهل مهمتي بشكل كبير، إذ ليس من اليسير العمل في ظل وجود وزير أصيل للخارجية ووزير دولة للشؤون الخارجية، وهي تجربة ناجحة في حالتي بفضل العلاقة التي تربطنا بعكس تجارب كثيرة لم تنجح في العديد من دول العالم.


مصداقية الإمارات مع الشركاء

إن شبكة علاقاتنا، وبمتابعة حثيثة من القيادة السياسية للدولة، امتدت واتسعت بفضل توجيهاتها وتركيزها على ضرورة بناء علاقات استراتيجية مع العديد من الدول ذات الثقل السياسي والاقتصادي في أكثر من قارة، ولذلك عملنا على تعزيز علاقاتنا الآسيوية والأفريقية المهمة. وقد تشرفت عبر السنوات الماضية بحضور العشرات إن لم يكن المئات من المقابلات على مستوى قيادي شملت صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، ولطالما كان التوازن بين قيم الإمارات ومصالحها جوهر حديث قادتنا، وقد وجدت أريحية وثقة في علاقتنا مصدرها مصداقية الإمارات في تعاملها مع الشركاء والحلفاء، وهذا ما انعكس على علاقاتنا الاقتصادية، فعلى سبيل المثال ارتفع حجم تجارتنا الخارجية من 52 مليار دولار في عام 1999 إلى 677 مليار دولار حالياً.


محاربة التطرف والإرهاب

ولقد شهدنا خلال السنوات الماضية تحديات سياسية رئيسة فرضت علينا اتخاذ مواقف حاسمة في ظل الفوضى والفراغ الذي عاشته المنطقة، وقد كنا في مواقفنا منسجمين مع قيمنا ومسؤولياتنا، خاصة نهجنا المبدئي في محاربة التطرف والإرهاب والذي واصلناه بعد هجوم «القاعدة» الذي استهدف برجي التجارة العالمية في نيويورك، ومشاركتنا الفاعلة في التحالف الدولي ضد «داعش»، وعربياً كُنا السند للأشقاء في جمهورية مصر العربية في أحلك الظروف، والعضيد للمملكة العربية السعودية في قرار «عاصفة الحزم»، ونجدة اليمن الشقيق في مواجهة التحديات التي يواجهها، وقد أبلت قواتنا المسلحة بلاء حسناً وأثبتت قدرات وكفاءة كانت محط أنظار العديد من القادة العسكريين على مستوى العالم، حيث سالت دماء الشهداء الإماراتيين لدعم هذه المواقف المرتكزة على مبادئنا وقيمنا، ولا أتي بجديد أن قلت أننا دفعنا ثمناً غالياً لبعض المواقف، ولكنها كانت ضرورية، لقناعتنا التامة بأن قضايا السيادة والأمن الوطني مرتبطة بالاستقرار العربي والإقليمي ولا تحتمل التراخي والتخاذل.


دعم الأشقاء

وأذكر الموقف الحازم الذي اتخذه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بعد التشاور مع صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، لدعم مملكة البحرين الشقيقة أمام التحدي الممنهج لزعزعة أمنها واستقرارها، وهو موقف منسجم مع موقف الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، إبان غزو الكويت، كما لا يغيب عن ذاكرتي لقاء سموه مع الوفد السعودي رفيع المستوى، والذي أرسله الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، وعلى رأسه المرحوم الأمير سعود الفيصل حاملاً رسالة مفادها، أن الملك على قناعة بأن الإمارات هي الصديق الذي يُعتد به والحليف الذي يُعتمد عليه، فكان رد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد الذي سيبقى محفوراً في الذاكرة: «إن ما تحقق في الإمارات من أمن وازدهار ما كان ليتحقق لولا الأمن والازدهار الذي تعيشه المملكة العربية السعودية الجار العزيز والشقيق الكبير».


واليوم نحن نتوجه نحو تعزيز الجسور وتصفير المشاكل ومن ضمنها القرار الجريء بالوصول إلى توقيع الاتفاق الإبراهيمي، والانفتاح على جيراننا الإقليميين ومنهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وذلك في إطار سياسة الانفتاح والبناء على المشتركات وإدارة الاختلافات، فأني أرى في هذا التوجه اتساقاً طبيعياً مع قيم وتوجه الإمارات، وما فرضه علينا تحدي العقد الماضي من مواقف كان لا بد لنا منها لأجل أمننا الوطني ومسيرتنا التنموية وامتداداتنا الإقليمية.
وفي حديث قبل أشهر مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد من ضمن أحاديث عديدة عبر السنوات حول توجهات الدولة كانت قناعته واضحة بأن شبكة العلاقات والصداقات والتحالفات مهمة جداً، فعلى حد تعبير سموه لا يمكن أن يكون لك عدد كاف من الصداقات أو سقف للشراكات، وتأكيده بأن علاقاتنا أساسها الوضوح في قيمنا وعدم التفريط بسيادتنا وأن تكون مصداقيتنا هي رصيدنا الذي نستند إليه في تحالفاتنا وشراكاتنا كافة.


دبلوماسية في خدمة المواطن

وعلى صعيد العمل الدبلوماسي وأثناء عملي في وزارة الخارجية، فقد كنت جزءاً من جهاز تنفيذي يعمل بحرص ومعرفة ودراية بتوجيهات من قيادتنا، ولا شك بأن معالم السياسة الخارجية للدولة في قيمها كانت واضحة في أهدافها ومرتكزاتها، وهي خدمة المصلحة الوطنية من خلال سياسة تعتمد حُسن الجوار والاحترام المتبادل والانفتاح على العالم انطلاقاً من إطار خليجي وعربي.
ولطالما كانت توجيهات قيادتنا واضحة لنا في وزارة الخارجية، وهي الابتعاد عن الأبراج العاجية التي تتسم بها الدبلوماسية والدبلوماسيين، حيث كانت توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد دائمة التركيز على ضرورة أن تكون الدبلوماسية في خدمة المواطن الإماراتي، وهذا ما انعكس على اتساع دور السفارات ليشمل المشاريع الاستراتيجية مثل مشروع قوة الجواز الإماراتي ومتابعة أحوال المواطنين ومصالحهم الاقتصادية في الخارج.
وأذكر أني سألت أحد الدبلوماسيين القدامى ممن انضموا للسلك الدبلوماسي منذ بداية السبعينيات ما الذي اختلف في العمل الخارجي؟ كانت إجابته أنه ازداد أضعافاً وتشعب ليكون السياسي المحض جزءاً بسيطاً من العمل، وهذا الذي شهدته في تجربتي فأصبح عملنا الاقتصادي والمالي عنصراً رئيساً من مصالحنا التي يجب أن نرعاها، واليوم نرى ملفات مثل التغير المناخي والطاقة المستدامة والإغاثة والعمل الإنساني وحقوق الإنسان أصبحت كلها في صلب عملنا الخارجي، وهذا ما تطلب انضمام مجموعة من الوزراء الأفاضل إلى وزارة الخارجية، ومنهم معالي الوزيرة الكفؤة ريم إبراهيم الهاشمي التي تُشرف منذ عام 2016 على ملف التنمية والتعاون الدولي، الملف المهم والحيوي نظراً لكون الإمارات كانت دائماً في غاية الكرم والسخاء من دون تمييز بناء على عرق أو دين أو جنس، حيث وصلت مساعداتها إلى 190 دولة بقيمة 322 مليار درهم منذ تأسيس الدولة.
سلك دبلوماسي محترف

ونظراً لشمولية الدور الذي باتت بعثاتنا الدبلوماسية تقوم به، فقد عملنا على بناء سلك دبلوماسي محترف، وتم ذلك عبر مراحل وتدريب مكثف، ومن ملاحظاتي التي شهدتها الإقبال الكبير للمرأة الإماراتية على العمل الدبلوماسي وتطلعها بالعمل في البعثات الخارجية، وقد شهدت هذه الفترة تعيين الشيخة نجلاء محمد القاسمي، والدكتورة حصة عبدالله العتيبة أول سفيرتين في تاريخ الإمارات، وذلك نتيجة طبيعية لسياسة تمكين المرأة التي انتهجتها دولة الإمارات في مختلف قطاعات المجتمع.
وتميز عملنا خلال هذه السنوات بحرص منظم على التفاصيل، والاستعداد الجيد للمؤتمرات والمقابلات، بحيث أصبح ذلك سمة من سمات العمل الدبلوماسي، إضافة إلى الحوار والنقاش الداخلي لتعزيز روح الفريق، فقد عملنا من خلال المنتدى السنوي للسفراء، والذي تحول إلى تقليد أصيل في العمل الدبلوماسي لضمان أن الموجهات الاستراتيجية التي تحرك السياسة الإمارتية واضحة للجميع، كما شهدت هذه المرحلة العديد من المبادرات الناجحة للدبلوماسية الإماراتية ومنها على سبيل المثال تأسيس الخلوة الوزارية العربية العام 2016، ومنتدى صير بني ياس الذي شهدنا نسخته الثانية عشرة الشهر الماضي.
وبدوري كنت حريصاً للغاية على وضوح رسائل الإمارات السياسية إعلامياً، فمع ما نعيشه في عالم التواصل أصبح ما هو سري محدود للغاية، وهذا ما أعطى وسائل الإعلام قوة إضافية لا بُد من التعامل معها بحنكة وحكمة وشفافية انسجاماً مع رصيدنا الدولي القائم على المصداقية والوضوح. فليسمعوا من الإمارات مباشرة لا أن يسمعوا عنها. 
وفي العمل الدبلوماسي فإن السفر المكثف والمتعب جزء رئيس لا بُد منه، ولعل الشيخ عبدالله بن زايد أحد أكثر وزراء الخارجية سفراً خلال السنوات الماضية، فقد كُنا مثل خلية نحل نتحرك من دولة إلى أخرى في سبيل تعزيز مكانة الإمارات ورعاية مصالحها وسمعتها الطيبة، فمن مشاركات متعددة في المؤتمرات الخليجية إلى لقاءات الجامعة العربية والقمم العربية والاجتماعات في أوروبا وآسيا وأفريقيا والأمريكيتين، وهنا استذكر كثافة الزيارات التي قُمنا بها للترويج لحملة الإمارات لاستضافة مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)، حيث قام مجموعة من الوزراء بزيارة مختلف دول العالم، وكان نصيبي قارة أميركا اللاتينية، وقد كان لمكانة الإمارات الدور الكبير في تسهيل مهمتنا، وهذا ما يؤكده سمو الشيخ عبدالله بن زايد دائماً عندما يفتتح إحاطاته في مجلس الوزراء بالقول إن الترويج للإمارات سهل نتيجة سمعتها الطيبة ونجاحها التنموي وانفتاحها على العالم. 

تحديات وشخصيات فاضلة

إن ما حققته الدبلوماسية الإماراتية عبر السنوات الطويلة الماضية لم يكن طريقاً مفروشاً بالورود، بل واجه دبلوماسيونا الكثير من العقبات والصعوبات وتحدوا الكثير من الظروف خدمة لوطنهم، ومنهم من دفع حياته دفاعاً عن مواقف الإمارات وسمعتها. وهنا أستذكر بكل فخر وإجلال شهداء وزارة الخارجية الشهيد سيف سعيد غباش أول وزير دولة للشؤون الخارجية الذي اغتالته رصاصات الغدر في مطار أبوظبي عام 1977، والشهيد خليفة أحمد المبارك الذي امتدت إليه يد الإجرام عندما كان سفيراً للدولة في باريس عام 1984، وخلال فترة عملي استهدفت المنظمات الإرهابية بعثتنا في أفغانستان، حيث استشهد جمعة محمد عبدالله الكعبي سفير الدولة في كابول، وذلك في تفجير بمدينة قندهار راح ضحيته مجموعة من الدبلوماسيين الإماراتيين العاملين في المجال الإنساني والإغاثي. 
وما وصلنا إليه من عمل دبلوماسي محترف ومؤثر في مختلف أنحاء العالم جاء نتيجة لعمل تراكمي وجهود مستمرة، وهنا لا يفوتني أن استذكر مجموعة من الشخصيات الفاضلة الذين قادوا دبلوماسيتنا عبر السنوات الماضية وعلى رأسهم سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، والشهيد سيف سعيد غباش، ومعالي أحمد خليفة السويدي، ومعالي راشد عبدالله النعيمي ومعالي محمد حسين الشعالي، أطال الله في عمرهم ومتعهم بالصحة والعافية ورحم شهدينا فقيد الوطن.
هذه بعض من مشاهداتي حول سياسة الإمارات الخارجية ودبلوماسيتها، وانتهز هذه الفرصة لأثمن عالياً الدور الكبير لزملائي الذين عملت معهم عبر السنوات مقدراً عطاءهم وتضحياتهم ومهنيتهم.
رسالة إلى الدبلوماسيين الشباب
وأختم برسالة إلى الدبلوماسيين الشباب، وهي ذات الرسالة التي لطالما أكدت عليها في العديد من لقاءاتي بهم، فمن المهم أن يدركوا بأنهم خط التمثيل الأول للدولة، وبالتالي فإن احترافيتهم وأخلاقهم وقيمهم تعكس الانطباع الأول عن الإمارات، كما إن معرفتهم لثقافة البلد الذي يعملون فيه وإجادة لغته أساسية وضرورية وتفتح الكثير من الأبواب لتعزيز العلاقات الثنائية ومصالح الدولة في العواصم العالمية، وأرى بأن مصالحنا الآسيوية ستزداد أهمية وأن اطلاعنا على ملفات التغير المناخي وملفات أخرى ذات طبيعة تقنية تتطلب منهم مواكبة تطورات هذه الملفات ومتابعتها والتخصص فيها، وبصورة خاصة أن الإمارات ستنضم إلى عضوية مجلس الأمن الدولي غير الدائمة لمدة عامين اعتباراً من يناير المقبل، مما يتطلب جهداً ومتابعة أكبر، وأنصحهم بالتعليم المستمر، فالعمل الدبلوماسي شأنه شأن المجالات الأخرى يتطور ويتحول ولا بد من مواكبة تطوراته، وهذا ما يجب أن يترافق مع الصفات الشخصية وعلى رأسها الكياسة والتواضع وحسن التدبير والحكمة. فهذه أمور ضرورية بدونها لن ينجح الدبلوماسي مهما حاز من علم وإمكانات.

معالي الدكتور/ أنور محمد قرقاش*
*المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة.