ضمت الجلسة الختامية لحوار المنامة 2021 ثلاثة متحدثين، هم مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إيال حولاتا، ومنسق شؤون الأمن القومي الأميركي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا برت ماكغرك، وممثل الشؤون الخارجية في الحزب «الاشتراكي الديمقراطي» الألماني نيل شميدت «المرشح لمنصب مستشار الأمن القومي الألماني في حكومة اولاف شولتز». والجلسة حملت عنوان: «المليشيات، الصواريخ والانتشار النووي».

ويستشف أن إيران هي محور النقاش الرئيس، إلا أن الجديد هو الرسائل ضمن رسائل الجلسة وليس فقط نقاش الحروب ضمن الحروب Wars Within Wars والتي يشهدها الشرق الأوسط منذ 2014. التسابق بين ممثلي الولايات المتحدة وألمانيا الاتحادية في طمأنة إسرائيل علنياً كانت المحطة الأولى خصوصاً بمشاركة مستشار الأمن الإسرائيلي لنفس المنصة، إلا أن «الفيل الأول في الغرفة» تمثل في التباين سجالاً «غير المعلن» بين المتحدثين. فإسرائيل غير معنية بمسارات فيينا إن لم تقدم ضمانات حقيقية لأمن إسرائيل «هذا حَينا ونحن مسؤولون عنه»، كما جاء على لسان مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، ودعا لتنسيق أمني إقليمي لمواجهة ما تمثله التهديدات والسياسات الإيرانية.

وبدوره، أعاد ماكغرك تأكيد موقف واشنطن من أمن المنطقة «من منظور الأمن القومي الأميركي»، وليس السياسة الخارجية الأميركية. وقد جاء مطلع كلمة ماكغرك مغايراً وتصالحياً إنْ لم نقل واقعياً نسبياً، خصوصاً في تعريفه للسياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة «لقد اعتمدت الولايات المتحدة سياسات عدة عبر الإدارات الثلاثة المتعاقبة منذ اعتداءات 9/11، ومن الخطأ عدم مراجعة تلك السياسات بواقعية مع إبداء بعض التواضع، فقد تمثلت بفرض التحولات الكبرى (الديمقراطية) وبناء الأمم، إلى تغير الأنظمة بوسائل عسكرية وغير عسكرية، دون احتساب كلفها السياسية، أو قابلية استدامتها وإضرارها بمصالح حلفائنا واستقرار المنطقة. لذلك علينا العودة للمبادئ الأساسية في العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائنا في المنطقة». ولم تكن كلمة الألماني شميدت ببعيدة عمن سبقه إلا في نطاقين، مفهوم ألمانيا الجديد لأمنها القومي الاستراتيجي والمتضمن الانخراط بشكل أكبر شرق أوسطيا، وموقفها من الملف النووي الإيراني، بالإضافة لأمن إسرائيل وحلفائها في المنطقة «أولاً، على حلفائنا عدم افتراض حدوث تحولات كبرى في السياسات الألمانية وخصوصاً تجاه أمن إسرائيل، بل استدامة سياساتها تجاه عموم المنطقة، وكذلك العمل مع حليفتنا الولايات المتحدة ضمن منظور حل الدولتين» و«أمن الشرق الأوسط هو أقرب لنا ألمانياً من أمن جنوب المحيط الهادئ».

الفيل الآخر في الغرفة، دار حول واقع تعهدات الولايات المتحدة أمنياً تجاه المنطقة، خصوصاً بعد تقليص وجودها العسكري نسبياً، وترك ذلك للإعلام في شرح ذلك دون إيضاحات مُفسرة من واشنطن ولربما عن قصد. إلا أن ذلك لا يعفي المراقبين من القراءة الموضوعية وترجمة ذلك سياسياً من قرار سحب بعض قواتها من العراق وسوريا، وتقليص حجم وجودها في قاعدة «العديد» القطرية، ذلك بالإضافة لإعادة نشر بعض بطاريات الباتريوت. وذلك ما تم تناوله «إعلامياً» منذ عهد الرئيس ترامب إلى يومنا هذا، وتعارض ذلك والواقع. ما لم يأخذ في الحسبان انعكاسات التقدم العلمي في واقع التخطيط العسكري الأميركي. فالقدرة العسكرية لم تعد تترجم عددياً، بل عبر معيار مُضاعف القوة Force Multiplier، ومنهجيات الاحتراز، والاحتواء الوقائي «الاستباقي» ضمن عقيدة «المعركة متعددة النطاقات Multi Domain Battle». كذلك لم تحتسب تلك القراءات التطور في القدرات الدفاعية لدول عربية كبرى، مثل المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة ومصر، ذلك بالإضافة إلى ما مثلته المواثيق الإبراهيمية من فرض توازن جديد في المنطقة ضمن الدول الموقعة عليها أو المتكافلة مع مفاهيمها الاستراتيجية. ولم يكلف ذلك البعض تفسير قرار الولايات المتحدة اقتناء نظام «القبة الحديدة» الإسرائيلي ونشرها ضمن منظومة أمنها شرق أوسطيا لحماية قواتها بعد نجاح برامج التدريب على النشر والتشغيل منذ 2020. والولايات المتحدة شريك ممول ومطور لتلك المنظومة، وشبكة إمداد من إسرائيل تعتبر أكثر فاعلية وأقل كلفة. فإن كانت البراغماتية والواقعية تحولاً حتمياً في منهجية الدول، فالحتمية تتماثل حاجة مُلحة في القراءة السياسة، إلا أنها غائبة أو شعبوية في غالبها، وخصوصاً عند قراءة التحولات في الدبلوماسية الخليجية، والتي باتت تسبق الغالبية بسنوات ضوئية، لذلك يتوجب على مراكزنا الفكرية جسر تلك الهوة وبحث ما تم تناوله في الجلسة الختامية لحوار المنامة بشكل استراتيجي.

* كاتب بحريني