من المرجح أن يتذكر الناس مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ المعروف بـ«كوب 26» لإخفاقاته بقدر ما سيتذكرونه لنجاحاته في رسم مسار للبشرية، من أجل تفادي احترار كارثي للكوكب في وقت لاحق من هذا القرن.

الخلاف حول الاتفاق الوسط الذي تم التوصل إليه في غلاسكو كان مريراً في أغلب الأوقات، وترك مندوبي بعض البلدان الفقيرة والضعيفة في حالة من الغضب جراء التعنت الذي أبدته البلدان الغنية بخصوص مواضيع مثل التعويض عن أضرار مناخ غير مستقر.

ولم يزد جدلٌ اندلع في اللحظات الأخيرة حول مستقبل الفحم الوضع إلا استفحالاً. أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي تأسف لأنه لم يتسن له تحقيق حصيلة أكبر، أقر بأن النتيجة النهائية «تعكس المصالح والتناقضات وحالة الإرادة السياسية في العالم اليوم».

ولكن «كوب 26» كان جديراً بالاهتمام أيضاً، لجهة السيل غير المسبوق من المبادرات الخضراء على هامش المفاوضات الرئيسية في مدينة كانت ذات يوم مرادفاً للصناعة الثقيلة والتلوث. التعهدات التي قدّمتها الحكومات والشركات والبنوك بخفض انبعاثات الميثان، ومكافحة إزالة الغابات، والتوقف عن استخدام الفحم، والقيام باستثمارات خضراء... وفّرت نماذج يمكن البناء عليها؛ وإذا طُبقت فعلاً، فإنها يفترض أن تساعد على إبطاء وتيرة احترار المناخ. كما حددت بلدانٌ أكثر 2050 تاريخاً لتحقيق هدف صفر من الانبعاثات الكربونية، ما يعني أن أي انبعاثات بعد ذاك التاريخ سيتم تعويضها بالتكنولوجيا. ولكن نشطاء المناخ يظلون حذرين من الوعود الجذابة التي تُطلَق خارج عملية الأمم المتحدة القائمة على الإجماع، والتي تراقب الأفعال على أرض الواقع.

وعلاوة على ذلك، فإن بعض الإعلانات في كوب 26 تتوقف على التقدم الذي يتم إحرازه بشأن المواضيع ذاتها التي أربكت المفاوضات الرسمية، مثل تمويل المناخ. ولكن تأثيرها المعبِّئ على البلدان التي تشكِّل ائتلافات من أجل تنظيف الصناعة إيجابي، كما يرى محللون. وفي هذا السياق، يقول بوب وورد، مدير السياسة في «معهد غرانثام البحثي لتغير المناخ والبيئة» بكلية لندن للعلوم الاقتصادية، إن التعهدات كانت «مكمّلة للمفاوضات متعددة الجوانب وليست بديلاً لها».

هذه المبادرات التي تُتخذ على الهامش يمكن أن تُثبت فائدتها في إنارة الطريق للبلدان التي سيُطلب منها مرة أخرى العام المقبل، في إطار اتفاقية غلاسكو، تحديد أهداف أكثر طموحاً لتخليص اقتصاداتها من الكربون، كما يقول وورد. فالتعهدات الوطنية الطوعية «تمثّل أرضية لتحرك الناس. فحينما يشرعون في اتخاذ التدابير المطلوبة، سيدركون أنها ليست صعبة أو باهظة كما تبدو». غير أنه بينما يبحث علماء المناخ الوعود التي قُدمت في غلاسكو، يظل الشك مخيماً على ما إن كانت الولايات المتحدة، التي تُعد ثاني أكبر منتج للانبعاثات بعد الصين، ستفي بوعودها.

فالرئيس جو بايدن جاء إلى كوب واعداً بتدابير حاسمة في وقت ينخرط فيه في معركة طويلة داخل الولايات المتحدة بشأن تمرير تشريع لدعم أجندته الخاصة بالمناخ. وفي هذا الصدد، يقول «نثانيال كيوهان»، رئيس «مركز حلول المناخ والطاقة»، وهو مركز بحوث أميركي، في بيان: «حتى تستعيد أميركا ثقة العالم بخصوص المناخ وإقناع آخرين بأن يحذو حذوها، يجب على الرئيس بايدن والكونجرس البناء على الاستثمار المهم والأولي في قانون البنية التحتية والوظائف، وإظهار أننا جادون بشأن تنفيذ التزاماتنا».

وكانت الحكومة البريطانية، بوصفها مضيفة لمؤتمر المناخ، قد أعدت إعلانات مهمة خلال الأسبوع الأول من المباحثات. وتضمنت تلك التصريحات تعهداً بتقليص الميثان من قبل أكثر من 100 بلد وفي مقدمتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وذلك بهدف خفض انبعاثات الغاز القوي المتسبب في احتباس الحرارة بـ30% بحلول 2030.

ولكن الولايات المتحدة لم تنضم إلى بيان موقّع من قبل أكثر من 40 بلداً وتزعمته المملكة المتحدة يَعِد بالكف عن إنشاء محطات جديدة للطاقة الكهربائية تعمل بالفحم وبالإنهاء التدريجي لتوليد الكهرباء بواسطة الفحم على مدى العقود القليلة المقبلة، مع منح البلدان النامية فترة انتقالية أطول.

كما أن هناك اتفاقاً منفصلاً يقضي بتوجيه المساعدة من الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية إلى قطاع الكهرباء في جنوب أفريقيا حتى تستطيع استبدال محطات الفحم الملوِّثة بمصادر الطاقة المتجددة. وهناك أيضا اتفاق آخر أُعلن عنه بشأن التعاون لوقف تدمير الغابات التي تختزن كميات هائلة من الكربون. كانت البرازيل وإندونيسيا من بين الموقِّعين على هذا الاتفاق، وتعهدت البلدان الغنية بالمال لمعالجة حرائق الغابات ودعم السكان الأصليين.

غير أن المنتقدين أشاروا إلى مبادرات مماثلة أُعلن عنها في قمم سابقة للمناخ وفشلت في وقف تقلص الغابات. وفي هذا الإطار، يقول «كيفن كونراد»، وهو مفاوض من بابوا غينيا الجديدة: «هذه الوعود تُقدَّم مراراً وتكراراً، ولكن الانبعاثات ما زالت تواصل ارتفاعها».

وبحلول الأسبوع الثاني، تعثرت مفاوضات كوب26 بسبب خلافات حول مقايضة الانبعاثات، وتمويل المناخ، وفشل العالم في تقليص انبعاثات الكربون بما يكفي من أجل الإبقاء على الاحترار المناخي هذا القرن عند مستوى لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.

ولكن في نهاية المطاف، وافق المندوبون على خارطة طريق لتطبيق اتفاق باريس للمناخ 2015، خارطة تعكس الإدراك المتزايد بين العلماء للخطر المحدق في حال تجاوز 1.5 درجة مئوية، وتركز على النشاط البشري الرئيسي الذي يزيد من ذاك الخطر، ألا وهو حرق الوقود الأحفوري.

* كاتب متخصص في قضايا المناخ

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»