في خضم حرب التجارة العالمية، لا تنفك التوترات الاقتصادية بين بكين وواشنطن تطفو على السطح بين الحين والآخر، مع محاولة كل طرف بسط سيطرته على مشهد الاقتصاد العالمي.

وحرصاً منها على الانفتاح التجاري والاستثماري، وتوسيع علاقاتها الدولية، تعهدت بكين بتحسين حماية الاستثمار والعمليات التجارية، لتعزيز الانفتاح الشامل ودفع الانتعاش الاقتصادي، وذلك بعد نحو شهرين من إعلانها التقدمَ بطلب الحصول على عضوية الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادئ، وقبل شهر ونصف من دخول اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية حيز التنفيذ.

وجاء هذا التعهد خلال قمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ التي انعقدت مؤخراً عبر تقنية الفيديو، وأعلن فيها الرئيس الصيني شي جين بينغ بأن «الصين ستعامل جميع الكيانات السوقية، معاملةً متكافئة، وستبني نظام السوق الموحدة المفتوحة مع المنافسة المنتظمة»، ودعا إلى «الالتزام بالتنمية المستدامة والجهود المبذولة لبناء مجتمع آسيا والمحيط الهادئ الذي يتميز بمستقبل مشترك».

وأضاف بينغ مؤكداً أنه «لا يمكن ولا ينبغي لهذه المنطقة أن تعود إلى حالة المواجهة والانقسام التي سادت خلال حقبة الحرب الباردة». وفي إطار خطتها لمواجهة الحرب الاقتصادية، تبرز أهمية «حرب العملات»، حيث انتهجت بكين منذ عام 2009 سياسة لتقليل اعتمادها على الدولار، ومنافسته في تعزيز معاملاتها التجارية مع الخارج.

وقد نجحت في ذلك، وسجلت ارتفاعاً في حجم بضائعها المصدَّرة التي تمت تسويتها باستخدام اليوان، من 10% عام 2012 إلى 30% عام 2015، لكنها بدأت بالتراجع مع اشتداد الحرب التجارية لتبلغ نحو 15% فقط. واللافت أن الصين سجّلت هذا التراجع رغم أنها وقّعت اتفاقيات ثنائية مع 36 دولة بقيمة 3.3 تريليون يوان (نحو 516 مليار دولار).

وكان اليوان يحتل المرتبة الخامسة في قائمة أقوى العملات المدفوعة في العالم، وقد تمكنت الصين بعد جهود حثيثة في ظل توسع حركة تجارتها الخارجية، وتعزيز علاقاتها الدولية، من دفع صندوق النقد الدولي، إلى اتخاذ قرار بانضمام اليوان، بدءاً من نوفمبر 2016، إلى سلة حقوق السحب الخاصة باعتباره عملة قابلة للاستخدام الحر.

وفي نهاية عام 2020 حققت العملة الصينية قفزات كبيرة، رغم تداعيات أزمة كورونا واستمرار الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، حيث بلغ مؤشر عولمة اليوان 5.02 نقطة، بارتفاع يصل إلى 50% مقارنة بالعام السابق، متخطياً بذلك مستوى التداول العالمي لكل من الين الياباني والجنيه الإسترليني، كي يحتل المرتبة الثالثة بعد الدولار واليورو، وفق تقرير معهد النقد الدولي.

ومع الإشارة إلى أهمية ارتفاع حجم الأصول المالية المقوّمة باليوان، والتي تمتلكها مؤسسات مالية أجنبية وأفراد بنسبة 40%، ليصل مجموعها إلى 8.98 تريليون يوان (1.3 تريليون دولار)، اكتسبت العملة الصينية قوة أكبر، كونها عملة احتياط يستخدمها أكثر من 70 بنكاً مركزياً حول العالم. وحرصاً منها على حماية اليوان والدفاع عنه بقوة، زاد بنك الشعب الصيني احتياطاته من النقد الأجنبي خلال 18 شهراً بنحو 105 مليارات دولار، وذلك من 3.06 تريليون دولار في مارس 2020 إلى 3.165 تريليون دولار في أغسطس 2021.

ورغم تراجع استثمارات الصين في السندات والأذونات الأميركية، فهي ما تزال تمتلك فيها أكثر من 1.07 تريليون دولار، وفق بيانا ت وزارة الخزانة الأميركية. الأمر الذي يؤكد مدى حاجتها للدولار الذي يسيطر على دورة الاقتصاد العالمي، وحتى للدفاع عن قوة اليوان.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية