تعيش دولة الإمارات العربية المتحدة هذه الأيام المباركة التي يحتفل فيها القاطنون على أرضها من مواطنين ومقيمين بمرور خمسين عاماً على تأسيسها، وبهذه المناسبة لا يستطيع الإنسان سوى الحديث بعاطفة جياشة وبفخر واعتزاز عن ما أنجزته البلاد من تقدم ورقي في جميع المضامير السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتجارية والفكرية والعلمية وكل ما يخطر على البال من ما يفيد البشرية في كل بقعة من بقاع الأرض.

ومنذ أن وُضعت اللبنات الأولى لتأسيس الدولة الاتحادية عرفت البشرية في كل مكان أن من يقطنون هذه الأرض المباركة يعلمون بأن ناموس الوجود يقضي أن يكون العالم متغيراً، وبأنه يسير على سنة الترقي مرحلة بمرحلة وعصراً بعد عصر وجيلاً بعد جيل.

ومن يعود بذاكرته وبصيرته إلى إنسان هذه الأرض في جميع أطوار حياته ومراحل معيشته خلال العصور التي تعاقبت عليه، يجد بأنه إنسان مكافح صلب الإرادة قوي الشكيمة متشبث بهذه الأرض تشبثاً قوياً، لأنها في حقب معينة من تاريخها الطويل كانت قاسية جداً على الإنسان، وعلى كل ما يدب على ظهرها من مخلوقات حية، لكن إنسانها بقى صامداً عليها محباً لها بقدر ما تعطيه من خيراتها وإن كانت شحيحة.

عندما جاء الاتحاد، وهلت أنواره على البلاد والعباد تألفت القلوب على مزيد من المحبة والوئام، وصار كل مواطن متحد في العاطفة والشوق والوجدان في حب الوطن الاتحادي، فصار لكل مواطن من أقصى الأرض إلى أقصاها وازع من حب الوطن وأشقاء مواطنون أشداء يصدون عن الوطن الأعداء من الأغراب الآخرين.

وقد أوجد ذلك قدراً من التضامن الوطني في نفوس أفراد الشعب، وبث في أوساطهم حب التضافر على ما فيه منفعة الجميع وتناسى كل ما هو قديم ضار من اختلافات أياً كان شكلها، والتف الجميع حول قيادة واعية تعمل لصالح الأرض والإنسان الذي يعيش عليها ويجمع بين الجميع لواء الوطنية والوطن الواحد والدولة الاتحادية الشامخة، وحماية البلاد ومقدراتها ورد أطماع الطامعين والراغبين بالعبث بحقوقها.

لقد صار كل مواطن لا يبحث عن ما يفيده وحده كفرد، بل جعل النفع العام نصب عينيه بحيث إنه لم ينسى أو يتناسى بأن لبلاده التي ولد فيها وتربى على أرضها وتحت سقف سمائها واستدر خيراتها حقاً مقدساً يحتم عليه أن يعلي كلمتها ويرقي شأنها ويبذل كل ما هو غالي ونفيس في سبيل رقيها وتقدمها.

إن أكثر ما يلفت الانتباه في مسيرة دولة الإمارات خلال الخمسين عاماً التي مضت هو قوة الاقتصاد الوطني سواء على المستويات المحلية لكل إمارة على حدة أو على صعيد قوة اقتصاد وموازنة الدولة الاتحادية، فالحمد لله الذي جعل الإمارات بهذه القوة الاقتصادية المتفوقة، فالمال جعله الله سبحانه وتعالى زينة الحياة الدنيا، وأمر عباده بالاقتصاد والحكمة في تدبيره، حيث قال: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً)، «سورة الإسراء: الآية 29»، وأثنى على المقتصدين، حيث يقول: (وَٱلَّذِينَ إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً)، «سورة الفرقان: الآية 67»، وذلك محافظة على تقدم الأوطان وشموخ العمران، إذ أن الثروات الوطنية هي الأساس الذي تشيد عليه الأمم الحية، ومن هذه المنطلقات الربانية الروحانية الراسخة انطلقت دولة الإمارات لكي تبني لنفسها اقتصاداً قوياً وراسخاً تُباهي به الآن جميع أمم الأرض.

لقد اختطت دولة الإمارات لنفسها خلال الخمسين عاماً المنصرمة واحدة من أعلى معدلات النمو الاقتصادي في العالم، التي سايرتها أو سارت متوازية معها واحدة من أعلى نسب الزيادة السكانية انطلاقاً من عمليات التنمية الوطنية اقتصادياً واجتماعياً وبشرياً الشاملة المستدامة، التي تشهدها البلاد، مما ضاعف من أعداد السكان المواطنين، وأولئك الراغبين في الوفود إلى البلاد للعمل والإقامة فيها نظراً لما تحظى به من قوة في الاقتصاد وتواجد فرص للعمل وأمن وأمان على النفس والمال والممتلكات.

والواقع هو أن معادلة الحياة والعيش في دولة الإمارات متوازنة، حيث تحدد الدولة الاتحادية لنفسها أهداف محددة بالمحافظة على استقلال الوطن وسيادته وأمنه واستقراره الداخلي والخارجي وحماية حقوق وحريات مواطنيه والمقيمين على أرضه وتحقيق التعاون الوثيق بين مكوناته للصالح المشترك. نبارك للقيادة الرشيدة ولشعب الإمارات المجيد، ولكل مقيم على هذه الأرض الذكرى الخمسين لقيام الاتحاد. وحفظ الله دولة الإمارات وشعبها والمقيمين على أرضها من كل سوء.

* كاتب إماراتي