كيف كنّا، وكيف أصبحنا؟. هذا هو حال الأمم التي تخرج من شرنقة الحياة، بعقل طفولي، ولكنها لمّا تتأمل اللوحة التشكيلية المعلقة على جدار الوجود، تشعر بحجم المسؤولية تجاه نفسها والعالم، فتبادر لتبتكر طريقة أسمى لحياتها، فمن يستدعي الذاكرة، ويجلس ليقرأ كتابها المفعم بمشاهد تدعو للفخر بما تقدمه القيادة من منجزات مبهرة، وتجعل المتتبع لهذه العطاءات فياضاً بمعاني الانتماء إلى أرض أصبحت اليوم بساطاً منعماً بالحياة والحيوية.
اليوم غير الأمس، والأمس كان الطريق من إمارة إلى أخرى، ومن قرية إلى قرية أشبه بالمغامرة، لصعوبة السبيل والمسالك، كانت الأرض تطفح بطين الشقاء، وفظاظة الوديان والحصى، وغضب السيول التي كانت تمد ألسنة الخطر، وتمنع المارين عبرها من العبور، ومن يجازف يلقى المهالك.
اليوم كل شيء تغيّر، وكل شيء تبدّل، وكل شيء أصبح في متناول اليد.
ويتوج هذا المنجز الحضاري العظيم، إنجاز قطار الاتحاد، وهو السلسال الذهبي الذي سيعبر بالمواطن، والمقيم كعبور السلسال الذهبي في ثنايا القلادة الذهبية، كعبور الماء في الخلجان، كعبور الرضاب بين الشفائف اللمياء.
جهود تضيء للمستقبل دروباً، وتفتح للغد جداول حلم بهي، وتمكّن الإنسان من قراءة التفاصيل في تضاريس بلاده، من دون وهن، أو عهن، أو شجن، هو السير على طريق بوصلتها من حرير الأفكار النيّرة، وشراعها من مخمل الإرادة الجسور.
قطار الاتحاد هو إضافة نوعية للطرق الممهدة بالسلاسة، المعبدة بسلسلة من الابتكارات التي جعلت الإمارات اليوم من الدول الرائدة في مجال التواصل بين أضلعها، وأوردتها، لأن العقل في الإمارات لا يكف عن مواصلة الإبداع، ولا يجف قلمه، ولا يخف مداده، لأن العقل في الإمارات عقل أخذ من الصحراء براعتها في صناعة الوعي المتسع، لأن العقل في الإمارات مجبول على ملاحقة فراشات التطور، من أجل جمال الطلعة، وحسن البديع، وبلوغ مرافئ الشمس من دون عناء.
قطار الاتحاد هو الزورق الذي سيعبر بوعي الجيل الجديد، ويعرّفه على قدرة بلده في الاستمرار في توسيع الحدقات، وترتيب الأولويات، ولكي نصل لا بد من الإمساك بطرفي المعادلة، القديم والجديد، وما بينهما عقل يحفظ الود للماضي، وعينه إلى المستقبل، اليوم نحن نقطع المسافات المديدة بالساعات، بينما بالأمس كنّا نحشد الطاقة كي نتحمل سهر الأيام والليالي بين هذه القرية وتلك.