بعد أن أشرنا في مقالة «منتدى الاتحاد» إلى أربعة من المخترعين الإماراتيين الشباب، والذين عرَضوا اختراعاتِهم خلال المنتدى المنعقد في أبوظبي مؤخراً، ها هي أنباء الاختراعات الخليجية المتواصلة تأتي من دولة الكويت هذه المرة، حيث تمكن ثلاثة من المخترعين الشباب، وفريق عملهم المكون من 34 طبيباً، من ابتكار مهم يتعلق بمسحة فيروس «كوفيد-19» وتكاليف إنتاجها لإتاحتها أمام مختلف بلدان العالم، وبالأخص البلدان الفقيرة منها، والتي عانت أكثر من غيرها بسبب عدم توفر القدرات المالية لتوفير تكاليف المسحات واللقاحات، والتي أصبحت ضرورية لعودة الأنشطة الاقتصادية لمستويات ما قبل كورونا.

والاختراع الكويتي الجديد يتميز عن غيره من الاختراعات المماثلة بجوانبه الاقتصادية والإنسانية، فقد تمكن ثلاثة من الجراحين الشباب برئاسة الدكتور سلمان الصباح والدكتور سليمان المزيدي والدكتورة سارة اليوحة (وهم على التوالي حاصلون على شهادتي دكتوراه في الطب من بريطانيا وكندا وماجستير من جامعة «هارفارد» بالولايات المتحدة) من إنشاء وتطوير مختبر للبحوث بمستشفى جابر الجديد، والذي افتتح تزامناً مع تفشي فيروس «كوفيد-19»، وهو ما دفع المخترعين الثلاثة وفريق عملهم إلى القيام ببحث يهدف إلى توفير المَسحة الخاصة بالفيروس (PCR) بأسعار مخفضة لصالح الجميع، حيث لاحظوا التكلفة العالية للمسحات المستوردة، فعمدوا إلى استخدام تقنيات حديثة لتخفيض التكلفة باستخدام طباعة ثلاثية الأبعاد، مما أدى إلى إنتاج مسحة بتكلفة متدنية جداً تبلغ 15 سنتاً أميركياً فقط، مقابل 2.25 دولار للمسحات المستوردة.

لقد ركز فريق العمل على إنتاج مسحة سهلة ورخيصة وسريعة، حيث جاءت النتائج مبهرةً بعد تطبيقها على 60 متطوعاً، إذ تطابقت جودة المنتج تماماً مع مثيله الغربي والصيني، وهو ما أدى حتى الآن إلى إنتاج أكثر من 60 ألف مسحة.

والأمر هنا لا يتعلق بمسألة ابتكار علمي فحسب، وإنما لهذا الابتكار جوانب اقتصادية مهمة تتعلق بتكاليف إنتاج المسحات واللقاحات والأدوية وباقي المنتجات الحديثة، إذ أن تكاليف الإنتاج الحالية، والتي تقوم بها الشركات الكبيرة مبالغ فيها، وبالتالي فهي غير متاحة للكثير من الدول.

فشركة «فايزر» وحدها تتوقع ارتفاع مبيعاتها هذا العام إلى 45 مليار دولار، منها 19 مليار دولار مبيعات اللقاح ضد كورونا، مع تحقيق أرباح خيالية تبلغ 9.3 مليار دولار في العامين القادمين، وفق مؤسسة «مورغان ستانلي»، مما يعني تنامي أهمية الابتكارات بالنسبة للاقتصادات الحديثة ضمن اقتصادات المعرفة التي غيّرت من الاعتبارات الاقتصادية الخاصة بالثروات فأضحت تعتمد على الابتكار أكثر من اعتمادها على الثروات التقليدية، بما فيها الثروات الطبيعية التي تراجعت حصتها من الناتج القومي، بل إن شركات التقنية الحديثة تقف على رأس قائمة أكبر الشركات بعد أن أزاحت الشركات التاريخية الكبرى من رأس قائمة الشركات المدرجة في الأسواق العالمية.

وبالإضافة إلى هذه الجوانب الاقتصادية المهمة للاختراع الكويتي الجديد، فقد تعامل المخترعون الشباب بإنسانية وبشفافية بعد أن قرروا وضع تفاصيل اختراعهم على شبكة الإنترنت بغية إتاحته مجاناً لكافة المهتمين على المستوى العالمي، وهي سابقة لقيت استحساناً كبيراً، وبالأخص من بعض البلدان الفقيرة التي اتصلت بهم وشكرتهم لإتاحة هذا الاختراع بالمجان والذي أدى إلى توفير مسحات رخيصة ساهمت في محاصرة الفيروس وفي إنقاذ الكثير من الأرواح وتنشيط الدورة الاقتصادية.

والملاحظ، أنه بالإضافة إلى الإمارات والكويت، فإن هناك حماساً واهتماماً متزايدين من الشباب الخليجي عموماً بالاختراعات وتسخيرها للنمو الاقتصادي، حيث تتقدم دولُ مجلس التعاون الخليجي الدولَ العربيةَ في مجال الاختراعات. ففي العام الماضي بلغ عدد الاختراعات الخليجية 521 اختراعاً، مقابل 456 اختراعاً لبقية البلدان العربية مجتمعة.

إلا أن الأمر يتطلب تخصيص المزيد من الموارد لتمويل إنتاج هذه الاختراعات لدعم التحول نحو اقتصادات المعرفة المستقبلية.

فالاختراع الكويتي كان من الصعب تطويره بدون الدعم المالي الذي حصل عليه من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، والذي قدر بـ350 ألف دولار، وهو ما يتطلب زيادةَ مخصصات البحوث والابتكارات في دول المجلس ورفعها إلى ما لا يقل عن 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي ليتساوى مع مثيله في البلدان المتقدمة.

*مستشار وخبير اقتصادي