القرار البريطاني بتصنيف حركة «حماس» الإخوانية حركةً إرهابيةً قرار مهم وإنْ جاء متأخراً وناقصاً. الحركة بكل المقاييس إرهابية كأيديولوجيا دينية وحركة سياسية وتنظيم، وإرهابها منصبٌ أساساً على الشعب الفلسطيني في غزة الذي تحكمه بالحديد والنار، ثم على الدول العربية التي تستهدف الحركة أمنها واستقراراها بالتحالف مع بعض الدول الإقليمية ذات المشاريع التوسعية المتطرفة.
هل تصنيف حركة «حماس» إرهابيةً يعني أن «القضية الفلسطينية» إرهابيةً؟ الجواب بالتأكيد هو لا، فالقضية الفلسطينية قضية عادلة ومدعومة من كل الدول العربية التي تناصبها حركة «حماس» العداء وعلى رأسها مصر، التي لم تأل الحركة جهداً في استهداف أمنها واستقرارها وتهريب الأسلحة لها واقتحام سجونها وغيرها الكثير من التصرفات العدائية.
«حماس» بتصريحات قياداتها لا تعترف بدولة فلسطين ولا حدودها، بل تعتبر نفسها حركةً أمميةً أكبر من ذلك، وتقبيل أطراف بعض القيادات المؤدلجة التي تستهدف أمن وسلامة وحياة الشعوب العربية هو مؤشر واحدٌ في هذا السياق.
القرار البريطاني جاء متأخراً لأن إرهاب «حماس» قديم وجرائمها عتيقة، وجاء ناقصاً لأن المفترض أن يشمل «جماعة الإخوان» بكل فروعها لا فرع فلسطين فحسب، ولكن بريطانيا لا تريد مواجهة مع «جماعة الإخوان» وجماعات الإسلام السياسي بعدما استثمرت فيها لعقودٍ من الزمن، وكانت بريطانيا هي الداعم الأول مادياً لحسن البنا مؤسس الجماعة بمبلغ خمسمئة جنيه في البدايات المبكرة لتأسيس الجماعة.
علاقات بريطانيا مع «جماعة الإخوان» ممتدةٌ إلى اليوم، ودعمها لها مستمرٌ، وتوفير الملاذات الآمنة والاستثمارات المريحة والمؤسسات الداعمة تحكي تفاصيل لا تنتهي من هذه العلاقة، وهذا الاستثمار البريطاني طويل الأمد في جماعات الإسلام السياسي، وهي لا زالت المكان الذي يدير منه «إبراهيم منير» الإخواني المصري العتيد معاركه مع مجموعة إسطنبول التابعة لـ «محمود حسين».
«جماعة الإخوان» ومعها جماعات الإسلام السياسي هي نموذج لـ «العمالة» و«الخيانة» و«الطابور الخامس»، فهي منخرطةٌ مع بعض الدول الغربية في استهداف «الدول» العربية، وما جرى في ما كان يعرف بـ«الربيع العربي» إلا مثالٌ واضحٌ على هذه العمالة والخيانة المستقرة والثابتة في نهج الجماعة، ولكن الجماعة تغطي ذلك كله باسم «الدين» و«الإسلام» وغيرها من الشعارات الدينية التي تريد بها ذرّ الرماد في العيون.
ليس هذا فحسب، بل «جماعة الإخوان» منخرطة بقضها وقضيضها في المشاريع الإقليمية لبعض الدول غير العربية، التي تستهدف الدول العربية وتسعى لإسقاطها واسترقاق شعوبها وقتلهم وإبادتهم، وهي قدمت وما زالت تقدم الخدمات الخطيرة لكل هذه المشاريع المعادية.
هذه الجماعات ورموزها وعناصرها استمرأت الخيانة ولديها منظومة دينية سياسية أخلاقية لتبريرها عبر طرق متعددة، ويمكن لأي باحثٍ أن يرصد بعض المؤسسات «الحقوقية» و«البحثية» و«الإعلامية» الغربية التي تستهدف الدول العربية ليجدها جميعاً مطعمةً بعناصر ينتمون تنظيمياً وفكرياً لجماعات الإسلام السياسي ولا يجدون حرجاً في استهداف دولهم وقياداتهم وشعوبهم وضرب مصالح هذه الشعوب وإن بزعم الدفاع عنها، وهي شنشنة نعرفها من أخزم، كما كانت تقول العرب.
الاستثمار الغربي في حركات الإسلام السياسي جلب العديد من «النكبات» التاريخية على الدول الإسلامية والعربية، وقيادات هذه الحركات والتنظيمات كانت تعود من المنافي الغربية لتحكم بلدانها حين تنجح أو تشيع فيها الفوضى والإرهاب حين تفشل، والنماذج كثيرةٌ ومتعددةٌ.
أخيراً، فالاختباء خلف «الشعارات» و«المزايدات» و«المبادئ» أنقذ هذه «جماعة الإخوان» وجماعات الإسلام السياسي ورموزها من المحاسبة، و«عدالة» أي قضية لا تبيح خيانتها، و«سمو» أي مبدأ لا يجيز تحويله لمعول هدمٍ وغطاء «عمالةٍ»، ولكن البعض لا يستطيع محاكمة الحقائق وفرز الوقائع وتبصر المشاهد العامة. 

كاتب سعودي