أبرزت قمة العشرين التي اختتمت أعمالها مؤخراً، ومؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرون لتغير المناخ المعروف باسم «كوب 26»، الأهميةَ العالميةَ المتزايدةَ للهند. ويمكن وصف قمة مجموعة العشرين التي عُقدت مؤخراً في روما بأنها ناجحة لأن قادة العالم أجرَوا مداولات مفصلة حول القضايا ذات الأهمية العالمية، مثل مكافحة الوباء وتحسين البنية التحتية ودعم التعاون الاقتصادي وتعزيز الابتكار.

وأظهرت القمة بالضبط كيف وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الهند على الساحة العالمية. ويرجع هذا إلى أن الهند أظهرت إلى حد كبير دورَها النشط في المساعدة على التصدي لجائحة «كوفيد-19» من حيث إتاحة اللقاحات والحد من عدم المساواة في توفير التطعيمات المضادة للفيروس في منطقة جنوب آسيا.

وفي القمة، أكد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أن بلاده تستعد لإنتاج أكثر من 5 مليارات جرعة من لقاح «كوفيد-19» خلال العام المقبل. كما أكد أن الهند التي تقع في جنوب آسيا جادة للغاية بشأن التزاماتها العالمية وأن التزامها بزيادة إنتاج اللقاح سيساعد في «الوقاية من الفيروس». وقد استأنفت الهندُ الشهرَ الماضي تصديرَ اللقاحات بعد أن أجبرتها موجة ثانية ساحقة من الفيروس على التركيز على احتياجاتها المحلية لتطعيم نسبة كبيرة من السكان.

وذكرت وسائل الإعلام الهندية أن الهند بصدد إرسال حوالي 20 مليون جرعة من لقاح «كوفيشيلد» إلى المنظمة الدولية «جافي» وتحالف «كوفاكس» الذي تقوده منظمة الصحة العالمية بحلول نهاية العام الجاري. وهذا يشمل البلدان التي لم تتمكن من الحصول على إمدادات من أي لقاح.

ومن الواضح أن هذه المبادرة مهمة إذا كان العالم يريد وضع حد لانتشار الفيروس الذي أثبت أنه قاتل ولا يعرف حدوداً. وأشار مودي أيضاً إلى قضية تسهيل السفر الدولي وأهمية الاعتراف المتبادل بشهادة اللقاح كوسيلة لتحقيق ذلك. وهكذا، برزت قمة مجموعة العشرين كأهم تجمع في الآونة الأخيرة، إذ تم التعرض فيها لمجموعة من القضايا الحيوية. ومن المهم أن تتخذ الدول موقفاً في هذه المجموعة ربما أكثر من غيرها.

وبالمثل، في مجالات أخرى أيضاً، أوضحت الهند موقفَها الذي يمكن أن ينعكس في التطورات المستقبلية. ففيما يتعلق بالتنمية المستدامة والأمن الغذائي، تؤيد الهند السياسات العالمية لحماية مصالح المزارعين الصغار والمهمشين، وكذلك الحفاظ على الثقافات الغذائية المحلية. وترى الهند أن كل هذا يمكن أن يسهم بشكل كبير في الأمن الغذائي. إن الموقف بالنسبة للزراعة مهم، لأن هناك انقساماً في وجهات النظر عندما يتعلق الأمر بالدول المتقدمة والنامية. وتظل كل هذه القضايا مهمة أيضاً في محادثات منظمة التجارة العالمية.

إن الهند، مثل الدول النامية الأخرى، لديها برامج تقوم بموجبها بجمع الحبوب الغذائية لتوزيعها على الفقراء والمحتاجين. كانت الحجة داخل منظمة التجارة العالمية هي أن مثل هذه البرامج تشوّه التجارة حيث يتم شراء المنتجات الزراعية بأسعار تحددها الحكومات. وبالمثل في «كوب 26» أيضاً، وضعت الهندُ جدول الأعمال. والخبر المهم الصادر عن قمة المناخ العالمية هو موافقة الهند على التحكم في الانبعاثات.

فقد أعلن رئيس الوزراء مودي أن الهند ستستهدف صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2070، وهذا يعني أن الهند ستزيل من الغلاف الجوي نفسَ كمية الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي يتم إنتاجها.

وتعد الهندُ رابعَ أكبر مصْدر عالمي لانبعاث ثاني أكسيد الكربون، على الرغم من أن نسبة انبعاثاتها بالنسبة للفرد الواحد لا تزال منخفضة، حيث يبلغ نصيب الفرد من الانبعاثات في البلاد 1.9 طن سنوياً. وفي الوقت نفسه، لعبت الهند كذلك دوراً قيادياً في الضغط من أجل زيادة تمويل المناخ لصالح الدول النامية.

وقد سلطت الضوء على كيفية تجاهل الدول الواقعة في جنوب آسيا لإهمال تمويل المناخ ودعت الدول المتقدمة إلى تحديد هدف يتمثل في توفير ما لا يقل عن 1% من ناتجها المحلي الإجمالي لتمويل المشاريع الخضراء في العالم النامي.ومن الواضح أن الهند قامت بدور قيادي لبعض الوقت عندما يتعلق الأمر بتمثيل وجهات نظر البلدان النامية، التي لديها تحديات خاصة بها مقارنة بالدول المتقدمة.

هناك فوارق واضحة على الساحة العالمية، ودول مثل الهند والصين تلعب دوراً مهماً في تسليط الضوء على ما تحتاجه البلدان النامية، سواء فيما يتعلق بالسياسات التجارية أو مبادرات تغير المناخ. ولطالما جادلت الهند بأن أهداف التنمية للدول النامية وانتشال الملايين من الفقر لا يقل أهمية عن تحقيق أهداف المناخ. وكان الخلاف الرئيسي للهند هو أن الدول الأكثر تقدماً قد تطورت وساهمت في التلوث، لكنها تتوقع الآن أن تكبح الدول النامية سبل التنمية لديها لتحقيق أهداف المناخ العالمية.

ما يزال هناك قدر من الشك في أنه يتعين على الدول النامية والمتقدمة العمل معاً للتخفيف من تأثير تغير المناخ، الذي أصبح أكثر حدة كما يتضح من تغير أنماط الطقس والأمطار غير الموسمية والفيضانات، بصرف النظر عن زيادة درجات الحرارة. وقد اكتشفت الهند، أثناء الجائحة، أهمية العمل من خلال المنظمات متعددة الأطراف وأيضاً أهمية اتخاذ موقف من أجل المصلحة الوطنية وأيضاً لصالح الدول النامية في مثل هذه المنتديات متعددة الأطراف.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي