• أعجب من وطر اليوم.. وأعجب من متناقضاته، يشعرونك أنهم غير متصالحين مع زمنهم، فما زالت الحفيدة عندنا تتمنى ما كانت تتمناه جدتها الرابعة عشرة، حينما يتعلق الأمر بفارس الأحلام الذي لابد وأن يأتي على فرس بيضاء، الجيل الجديد لابد وأن يكون أكثر واقعية، ويعبر عن شخصيته بما جدّ على حياته من أساليب ومبتكرات، فالصبية المراهقة الـ «غلوبال أو الأي سيتزن» ذات الثمانية عشر عاماً، والتي هي أقرب بروائحها لروائح مطاعم الـ «جانك فود»، ويلزم أن تضع طقم تقويم الأسنان المعدني، ليتها تتمنى بصدق فتى أحلامها من واقع يومها، يأتي على دراجة نارية من التي يمغطون ظهورهم لين يوصلون لمقودها أو سيارة رياضية مكتوب عليها «يلعن أبو الفقر» أو يتمخطر ببنطلون مطرر، ومحَفّر عند الركب، تترك عنها تمنيات جدتها الرابعة عشرة التي كانت تحب صهيل فرس عريسها المتبادي عليها بعباءته وعمامته!
• لا أعرف هل سواقو الشاحنات، يمكن أن ينظروا للسيارات الصغيرة ويغرموا بموديلاتها الجديدة، ويتابعوا ما وصلت إليه من تطور تقني وفني، ويهمهم فعلاً أن يقودوها يوماً، ولو في فترة تقاعدهم أم هي خارج حساباتهم، ويعدونها قياساً لشاحناتهم أم أربع وأربعين «تاير» مجرد دمى تمشي على الـ «هاي واي»؟
• عند بعض أخواتنا النساء، الدعاء على الآخر، لا للآخر، بـ «بيزه»، وبطريقة مجانية، ولا يتناسب والجرم الذي ارتكبه، إن كان هناك جرم أصلاً، فتراهن يقدمن المسبة والدعاء على الآخر، على «أستغفر الله، أعوذ بالله من الشيطان، الله يسامحك، لا حول ولا قوة إلا بالله»، يمكن أن لا يعجبها وجه أحدهم بتلك النظارة المشعة في «المول»، فترديه بمسبة ودعوه أقلها: «فقدت هالويه»، وهو سائر في سبحانيته، ولم يتعرض لها بشيء، وإن حاول شخص بسيارته أن يحاذيها، وهو ما يزال في خانته من الشارع، فسترتبك وربما شحفته، مع دعوه عليه: «ضكّ هناك.. الله يأخذك»، وربما قرأن هذه الفقرة، وصرخ بعضهن: «فكّنا.. روح وَلّ..لاه»! ما في تفاهم، وما في تسامح.
• يمر من أمامك شخص بطنه وحده من يعطي للقميص مداه، وحزام جلدي مستتر تحت هضبة شحمية مندلقة بارتياح، وثمة التصاق بين بطن الذقن والصدر، مختصراً الرقبة، وكأن ليس لحيزها أي ضرورة، مع صعوبة في التنفس يتعب رئة الآخر، تراه.. فتشفق عليه، وتشعر مباشرة بتعب وأوجاع مبكرة في العمر غير المديد!
• الحين أي إنجليزي يلبس تلك البدلة الكحلية، والتي رافقته طويلاً في مناسبات لا تحصى، ولم يجن من وراءها إلا بطاقات تعارف شخصية، أكثرها لدكاكين أقفلت، ولهواتف كان يعدها إلا للمخصوصين والمحظوظين من رجال الأعمال، ويدس تحتها ذلك القميص الأزرق الفاتح، والذي قفط مع الوقت وكثرة الغسيل، وربطة العنق النبيذية القاتمة، والتي تجدها بالجملة في محال «مارك اند سبنسر»، وفارق شعره على «قتر»، ويلمع قليلاً بذاك الوجه المعطر بـ «أفتر شيف اولد سبايس»، لا يمكن إلا أن يفرض على الآخر احترامه، ولا يمكن إلا أن تصدقه في أقواله وأفعاله، وأول كلمة يمكن أن تطردها من رأسك، معقول هذا نصاب مختبئ في ثيابه المتهالكة البائسة!