منذ أن يبدأ الطفل علاقته بالحياة قديماً كان يقع الطفل تحت تأثير الأسرة وما يحيط بها من مجتمع، ويبدأ في التشرب من الثقافة المجتمعية عبر العلاقات الإنسانية بأقرانه وزملائه بالمدرسة، ثم يأتي دور قراءة القصص الموجهة للطفل، فكانت ثقافة المجتمع وأثر الأسرة أكثر ترسخاً في عقليته، فكان هناك قدر من الصلابة الثقافية يسمح بحالة انتقائية وبعض من التمييز، ويساهم في اكتمال تلك الصلابة متابعة الأسرة والمدرسة لقراءات الطفل. ولكن حالياً، زادت المؤثرات على الطفل، فأصبح يقع تحت تأثير الأفلام الكرتونية الموجهة له وشبكات التواصل الاجتماعي بعد ما أصبح الهاتف المحمول وسيلة تتخذها الأمهات لإلهاء الأطفال، وأيضاً زاد معدل قراءات الطفل.

ولكن كل ذلك يأتي في ظل ضعف أثر الأسرة وثقافة المجتمع على الطفل، فيصبح عرضة لاضطرابات ثقافية ومعرفية كبيرة تؤثر بصورة كبيرة في بنيانه القيمي والشخصي والعقلي لكنه في الوقت نفسه، يكون اتساع العقل أسرع وأكثر معرفة مع هذا التنوع الكبير في مصادر المعرفة، لذلك قدرة الأسرة والمدرسة على إدارة تلك المصادر وتحفيز الطفل على بناء عقل ناقد يفكر ويميز بين القيم هو الحماية الحقيقية من الانحراف المعرفي والفكري عند الطفل، ويمثل الأدب الموجه له واحداً من أهم وسائل التنظيم المعرفي والقيمي بالنسبة له.
إن إبداع أدب الطفل إبداع أكثر صعوبة وتأثيراً من بقية أنواع الأدب؛ لأنه يخاطب عقول ما زالت غضةً لم تتصلب بعد خبراتها، وما يحتويه هذا الأدب يؤثر بصورة مباشرة في أفكار الأطفال وقيمهم التي تترسخ فيهم مع كل قصة، بل وكل سطر من أدب الطفل هو خبرة جديدة وإضافة لمفاهيم الطفل، وبالتالي هي نقش على حجر لا يمكن إزالته مع الزمن، لذلك فإن جودة أدب الطفل وجديته لها تأثير مباشر على مستقبل المجتمع ككل.
وأدب الطفل يقترن بفنون أخرى. فغالبية القصص الموجهة للطفل، تكون مصورة ومقترنه برسوم لتعمل على استكمال الصورة في ذهن الطفل، وأيضاً أدب الطفل يتحول إلى السينما والتليفزيون من خلال أفلام «الأنيميشن» وغيرها. ويصبح الأثر أكثر وأكبر على الطفل وأسرع وأكثر ترسيخاً.. وسط كل هذا الزخم كيف يمكن أن نمنع التأثيرات السلبية والعكسية من تلك الآداب والفنون الموجهة للطفل، والتي تنعكس سلباً وتصبح مهددة للأمن المجتمعي في المستقبل لما تقدمه من شخصيات غير متوازنة لا تحقق اللحمة المجتمعية بصورة قوية؟
إن فكرة المنع لم تعد ذات قيمة، لأن المنع يدفع الشغف الفطري لدى الطفل إلى السعي للتعرف على هذا المجهول.

ولكن من المهم ترسيخ قيم المجتمع وثقافته من خلال القدوة الأبوية والحوار والنقاش، وإحاطة الطفل بكل تلك المظاهر، التي ترسخ لثقافة المجتمع مع تربية الطفل على الاختيار، وتنمية القدرة لديه على النقد الذاتي من خلال بناء عقل حر ناقد قادر على التفكير والنقد والتمييز، وتقديم أدب طفل ومنتجاته من أفلام وبرامج تقوم على ثقافتنا.
وكم ناديت من قبل أن يكون لدينا مشروع ثقافي موجه للطفل يقدم الثقافة في إطار من الإبهار، سواء مكتوباً أو مرئياً، وما زال لديّ اليقين أن هذا المشروع سيساهم بصورة كبيرة في ترسيخ قيمنا وثقافتنا وبناء قدرة انتقائية عند الطفل، تميز ما بين الإيجابي والسلبي، وبالتالي الحفاظ على الأمن الاجتماعي، الذي هو أحد الركائز الأساسية لبناء مستقبل دولة الإمارات العربية المتحدة.
*أستاذ زائر بكلية التقنية العليا للبنات، وباحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي.