في عصر تتزايد فيه الهجمات على الصحافة، تعتبر ريسا وموراتوف تذكيرا بالدور الحاسم الذي تلعبه السلطة الرابعة في دعم الديمقراطية، بيد أن فوز ريسا له بعد آخر أيضا: إنه إدانة بفشل «فيسبوك». «ريسا»، وهي صحفية سابقة في «سي. إن. إن»، هي المؤسس المشارك لموقع «رابل» الإخباري البارز في الفلبين. بدأ «رابل» العمل في 2011 كصفحة على «فيسبوك» قبل أن يصبح موقعاً إخبارياً كاملاً. مثل العديد من البلدان الأخرى في منطقتها، تعتمد الفلبين بشكل كبير على «فيسبوك» للوصول إلى العالم عبر الإنترنت.

ومن المعروف أن الفلبينيين يقولون إن «فيسبوك» يعادل الإنترنت بالنسبة لهم. في المرة الأولى التي سمعت فيها «ريسا» تتحدث، كانت تقول كيف حاولت ذات مرة أن تشرح لمارك زوكربيرج أن هيمنة شركة «فيسبوك» في الفلبين جلبت معها مسؤولية اجتماعية ضخمة. وقالت له إن 97% من الفلبينيين يستخدمون «فيسبوك»، ودعته إلى زيارة الفلبين ليتمكن من فهم المشكلات التي نجمت عن ذلك بشكل أفضل.

لكن يبدو أن زوكربيرج تجاهل الدعوة، وركز بدلا من ذلك على كيف يمكن للفيسبوك زيادة هيمنته في البلاد. وتساءل: «ما الذي يفعله الـ 3% الآخرون، ماريا؟». منذ تولي الرئيس «رودريجو دوتيرتي» السلطة، ركزت «ريسا» على التعبير عن القلق واسع النطاق بشأن دور «فيسبوك». ولم تنتقد دوره النشط في نشر المعلومات المضللة فحسب، بل انتقدت أيضا افتقاره الواضح إلى الاهتمام بالتداعيات الأوسع نطاقاً لأنشطته في الأسواق غير الغربية، حيث يعيش أغلبية مستخدميه. (تعرض فيسبوك لانتقادات واسعة النطاق لفشله في فرض سياساته الخاصة ضد خطاب الكراهية في الهند وعدم اهتمامه بالمحتوى العنيف الذي حرض على الإبادة الجماعية في ميانمار).

قامت «ريسا» وفريقها من مراسلي موقع «رابل» الذين يتسمون بالجرأة بالتحقيق في عمليات القتل خارج نطاق القضاء التي جرت في الفلبين، بعد الانتخابات التي جلبت دوتيرتي إلى السلطة عام 2016، كشفت «ريسا» النقاب عن مجموعة من صفحات «فيسبوك» التي تنشر معلومات مضللة إلى 3 مليون شخص. ووجهت أدلتها إلى شركة «فيسبوك» - لكن الشركة لم تفعل شيئا. وفي 2019، قالت «ريسا» لصحيفة نيويورك تايمز: «فيسبوك الآن هو أكبر موزع للأخبار، ولكنه يسمح للأكاذيب بالانتشار مثل الحقائق، وبالتالي فهو يلوث المجال العام بأكمله».

وفشل «فيسبوك» أيضاً في منع هجوم بالإساءة الذي واجهته «ريسا» وفريقها داخل الفلبين. وعانت هي وفريقها من الانتقاد اللاذع على الإنترنت والتهديد بالعنف، الأمر الذي كان غالبا ما يهدد مصداقيتهم وسلامتهم الشخصية وصحتهم العقلية. وقد تردد صدى هذه الإساءة، وتعرضت لضغوط لإسكاتها بوسائل شتى، منها توجيه تهم جنائية لها تتراوح من التهرب الضريبي إلى التشهير الإلكتروني. وأمضت «ريسا» ليالي في السجن، وواجهت قيوداً أخرى على حرية الحركة.

وبحسب تقرير صدر هذا العام عن المركز الدولي للصحفيين واليونيسكو، في مقابل كل تعليق يدعم «ريسا» على فيسبوك، كان هناك 14 تعليقا يهاجمها ويضعف مكانتها. ودعا بعض المستخدمين إلى اغتصابها وقطع رأسها. ولم يفعل «فيسبوك» شيئاً يذكر لوقف الهجوم، بل كان تقاعسه عن اتخاذ إجراء أكثر فظاعة بسبب الروابط الواضحة بين الإساءة التي تعرضت لها «ريسا» ومهارة نظام «دوتيرتي» في استخدام متصيدي الإنترنت.

وبالرغم من أن الفلبين هي واحدة من أخطر البلدان في العالم على الصحفيين، إلا أن «ريسا» تقول إن المنصة أخبرتها أنه لا يوجد ثمة شيء تفعله لحمايتها بسبب وضعها كشخصية عامة. ويزعم موقع «فيسبوك» أنه يعمل على إزالة هذه الإساءات، على الرغم من أن وثائقه الداخلية توضح أنه يسمح للمستخدمين بالمطالبة بقتل شخصيات عامة مثل ريسا.

وبالتالي فإن الهجوم على «ريسا» وزملائها مستمر بلا هوادة تقريباً - وكذلك الاستخدام -برعاية الدولة -للحسابات المزيفة ووسائل الإعلام التي يتم التلاعب بها وحملات التضليل للتأثير على الخطاب العام. وبالرغم من كل ذلك، فقد واصلت «ريسا» الضغط على السلطات في الفلبين، بل ضغطت على جهة أكبر وأكثر نفوذاً وربما أكثر خطورة، وهو «فيسبوك» ذاته.

منح جائزة لجنة نوبل النرويجية لـ«ريسا» اعتراف بشجاعتها، وكذلك بمثابة تقدير لها على ما كشفته للعالم عن الطرق التي يمكن أن تستخدمها وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة فيسبوك – للإضرار بالسلامة العامة والديمقراطية.

وجائزة نوبل التي حصلت عليها هي مجرد اعتراف بالأهمية التي تلعبها الصحافة في دعم الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان. وهي كذلك إدانة للمعاناة التي سببتها وسائل التواصل الاجتماعي بسبب نشر معلومات مضللة، والفشل في حماية المرأة والمجتمعات المهمشة الأخرى عبر الإنترنت.

نينا يانكوفيتش*

*مديرة المشاركة الخارجية في «أليثيا جروب»، وزمية عالمية في مركز ويلسون بواشنطن.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرح نيوز سيرفس»