في عام 1933 وضع حسن البنَّا لائحةَ «فرقة الأخوات المسلمات»، بعد خمس سنوات من تأسيس جماعته في مدينة الإسماعيلية عام 1928، ثم أنشأ أول مدرسة لتعليم البنات هي «مدرسة أمهات المؤمنين». وكانت لائحة البنّا للنساء تعبيراً حقيقياً وكاشفاً -إلى حد كبير- عن موقف الجماعة من النساء ومن انخراطهن في أفكار التنظيم، رغم أن ذلك يناقض أفكاره الفقهية «المعلنة» تجاه المرأة والرافضة لإعطاء النساء أبسط حقوقهن، كحق التعليم والخروج للعمل أو المشاركة السياسية والتعيين في الوظائف الحكومية ومخالطة الرجال والسفر إلا بمحرم.. إلخ. لكن الأمر مختلف بالنسبة لنساء الجماعة اللائي يحظين بمنظومة من المباحات والمرونة، إدراكاً من البنّا لأهمية دورهن السري لتمرير أجندات لا تستطيع الكوادر الرجالية الاضطلاع بها. لذا كان للمرأة الإخوانية منذ نشأة التنظيم دورها الذي رسمته البراغماتية الإسلاموية بضرورة التجنيد والاستقطاب والتعبئة ونشر أفكار الجماعة بين النساء والأطفال، والقيام بأنشطة ورحلات تستهدف عمق المجتمع وفئاته الاجتماعية.

أما ازدواجية المعايير والتناقضات الفقهية في خطابات الحزب فهي أحد الأركان التي قام عليها التنظيم للتقية ولتمرير أجنداته المختلفة. عملت لائحة «الأخوات» على تنظيم قسم النساء، وتحديد كيفية إدماج الكوادر في التنظيم وتوزيع الأدوار واستقطاب قيادات نسائية، مثل لبيبة أحمد كأبرز الأسماء النسائية في التنظيم، وزوجة عثمان مرتضى باشا أحد كبار القضاة في مصر. وكان لدى لبيبة جمعيتها الخاصة وهي «نهضة السيدات المصريات» التي أسستها عام 1921، وكانت لها مجلة تَنطق باسمها وهي مجلة «النهضة النسائية»، مما ساهم في التفاف النساء حول جمعيتها الداعمة للمشاريع والخدمات الاجتماعية التي انبثقت منها مشاريع خدمية مثل المستوصفات ودور الطفولة ورعاية الأيتام ومساعدة الأسر الفقيرة.. مما ساهم في نمو أنشطة فرقة «الأخوات المسلمات».

وبعدها تعاقبت على إدارة الفرقة كل من فاطمة عبد الهادي الملقبة بـ«بطلة التجنيد» كواحدة من الوجوه النسائية وأكثرهن فاعلية في الجماعة والتنقل بين المحافظات من أجل التعبئة، حتى وصل عدد شعب «الأخوات المسلمات» 150 شعبة في عام 1951، كانت موزعةً على محافظات مصر كافة. ويُذكر أن فاطمة عبد الهادي كانت سبباً في انتماء حسن الهضيبي، ثاني مرشد للجماعة، بعد أن نجحت في استقطاب ابنتيه سعاد وخالدة الهضيبي. كما استطاع حسن البنا تجنيد واحدة من أبناء أغنى الوزراء وأكثرهن أرستقراطية، وهي آمال محمد العشماوي، ابنة وزير المعارف إسماعيل باشا الذي عرف بالتدين والثراء، وآمال هي الوجه النسائي الثالث من النساء اللواتي اعتُبرن من أعمدة التنظيم النسائي، وهي المنقذ والممول للتنظيم في سنوات الأزمات السياسية.

وقد سبقها للتنظيم أخوها حسن العشماوي، ولحقت به هي وزوجها منير الدلّة القيادي الإخواني المعروف، وهي مَن جعل وزارة المعارف تعترف بمدارس «الإخوان» وتضفي عليها المظهر القانوني. بعد حادثة المنشية في الإسكندرية عام 1954 ثم محاولة الانقلاب عام 1965م وتأزم العلاقة بين «الإخوان» ونظام الرئيس جمال عبد الناصر، بدأت تتشكل رؤية إخوانية جديدة تولى التنظير لها مجموعة من مفكري «الإخوان»، كان أبرزهم على الإطلاق سيد قطب الذي دشن مرحلةً راديكالية جديدة في مواجهة ما اعتبره «جاهلية القرن العشرين»، وأطروحات أخرى لاقت تجاوباً لدى «الأخوات المسلمات».

وتعتبر زينب الغزالي من أشهر هؤلاء اللواتي تأثرن بفكره ونهجه، وقد تبنّت مواقف فكرية شرسة، وسجنت في عام 1965 بتهمة محاولة قلب نظام الحكم، وخرجت بعفو أصدره الرئيس أنور السادات، وكان لها نشاط بارز خلال مرحلة «الجهاد الأفغاني» ضد الاتحاد السوفييتي في الثمانينات، حيث زارت الجبهة الأفغانية عدة مرات. أسماء نسائية كثيرة مرّت على التنظيم الإخواني من «الأخوات المسلمات» ممن انضممن إلى الجماعة في أوقات متباينة، ومن هذه الأسماء نعمات وصفي، ونفيسة حسين زهدي، وفاطمة توفيق، ومنيرة محمد نصر، وسنية الوشاحي، وزينب جبارة، ومكارم الديري، وعزه الجرف.. ومنهن من خرجن لاحقاً من التنظيم مثل جيهان الحلفاوي، إلا أن الخطاب المتعلق بمشاركة المرأة في التنظيم الإخواني ظل ضمن المفاهيم التقليدية، وارتكز أساساً على الدعم اللوجستي والعمل السري، متمثلا في الاستقطاب وتمرير الرسائل ودعم المساجين من كوادر وأعضاء الحزب.

*كاتبة سعودية