الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

وميض ساحر.. في غابات ماليزيا

وميض ساحر.. في غابات ماليزيا
14 أكتوبر 2021 01:35

نوف الموسى (دبي) 

القيمة الأساسية لإقامة «إكسبو 2020»، أنها تعكس المنهجية الوطنية لدولة الإمارات، في تهيئة فضاءات إبداعية ابتكارية، تتيح فرصاً أكبر للمبدعين والمفكرين والمصممين والفنانين والمهندسين وغيرهم، من مختلف التخصصات، من أن يتخذوا المعروضات التقنية والابتكارية والمعمارية، كمواد قابلة للتطوير وإعادة الاكتشاف، أي أن كل جناح بمثابة مشاريع متعددة، تتطلب فكرة خلاقة في كيفية الربط والمزج فيما بينها، وبتالي الوصول لبناء حالة من استدامة الإبداع، ويُمكن ملاحظة تلك الفضاءات العلمية والإبداعية، ليس فقط في «إكسبو 2020»، الذي يُعد نتيجة حتمية، لما سبقها من مبادرات ومشاريع تحمل ذات الطابع الابتكاري، في أن تكون دولة الإمارات، من بين أبرز الحاضنات الإبداعية في العالم.

وعلى سبيل المثال، نقدم في هذا المقام، أنموذج الجناح الماليزي، وتحديداً موضوع ثقافة الضوء، وتأثيره على السلوك العام في المجتمعات، وفعلياً بدأت الحكاية من الملاحظة الأولى للزائر لأعمدة رمادية تنتشر عليها بقع ضوئية، إلا أنه مع التقرب قليلاً للمشهد المعماري الماليزي، تظهر البقع الضوئية بشكل طولي ممتد، مُستلهم من الخنافس المضيئة، ذات الوميض الساحر في الغابات الماليزية، والأكثر انتشاراً في قرية «كامبونج كوانتان» المحاطة بجوز الهند وأشجار النخيل في ماليزيا ـ يطلق عليها «اليرعة» ـ حشرة تنتمي إلى أسرة الخنافس غمدية الأجنحة ـ وحضورها إنما إعلان لالتزام ماليزيا نحو السعي لتحقيق بيئات مستدامة، أمام المخاوف البيئة، وذلك بعد التعرض للنشاط غير المسؤول من خلال قطع أشجار الـ «berembang»، إحدى المواطن الرئيسية لليراعات، التي تعمل كمرشح للسموم وتنتج مياه نظيفة للحياة الموجودة في النهر، ما أدى إلى التأثير على دورة حياة «اليرعة»، إلى جانب المسببات الأخرى المثيرة للانتباه، أبرزها تحديات الإضاءة الاصطناعية وتأثيرها على البيئة الليلية، فالظلام الحالك يعتبر مكوناً رئيسياً لحالات الوميض التي تطلقه اليرعات، وجزءاً من عملياتها الحيوية للتزاوج والاستمرار.

لنتصور كيف يمكننا الحديث عن الخنافس المضيئة «اليرعات»، وفهم آليات دورة حياتها، والتحولات التي تمر فيها، من مرحلة البيض إلى اليرقات وصولاً إلى المراحل البالغة، من استنباط رؤية جديدة لإدراك ماهية «الضوء» و«الظلام» في المجتمعات الحضرية، والغابات الاستوائية، ومدى الحاجة الماسة لطرح مسألة الضوء كقضية عالمية، خاصةً بعد الفوضى التي تسببت بها الإضاءة الاصطناعية، في مجالات مختلفة سواء على مستوى الأنظمة البيئية الطبيعية وعلم الفلك، إضافة إلى تأثيرها على الأنظمة المجتمعية، من مثل الآثار الجانبية الناتجة عن إضاءات الإعلانات في الشوارع، والمكاتب، والمصانع، والشوارع، والأماكن الرياضية، والذي أدى بدوره إلى ظهور أضرار صحية على الإنسان، نتيجة قلة الوعي بمستوى حاجتنا لنسب الضوء في حياتنا، ما يجعلنا أمام حتمية تأثير ذلك على سلوكنا اليومي ومستويات إبداعنا المرتبطة بالتأثيرات البيولوجية، ما يدعونا للعودة والتساؤل: لماذا فترة بقاء الخنافس المضيئة في مرحلة اليرقة تعتبر أطول مرحلة من عمر الحشرة، والتي قد تصل إلى سنة كاملة، ما ينبئ أن تكوينها الأساسي قائم على العيش في ظلمة كاملة. ودرس العلماء أنماط الوميض للذكور من تلك اليرعات، لجذب الأنثى التي تحتاج إلى مدخلات ضوء كبيرة لتستجيب وتميز النوع المناسب لها، والتي تتجمع بأعداد كبيرة على مظلة الأشجار وضفاف النهر، وهناك 4 أنواع أساسية لأنماط الوميض، منها الشائع الذي يعرف باسم «J-SHAPED FLASH»، بينما النمط الثاني فهو «single flash» وفيه يكون وميض واحد يشاهد من 3 إلى 8 ثوانٍ، والنمط الثالث هو أن تقوم اليرعة بتقديم وميضين، وبعدها لاشيء لمدة 5 ثوانٍ، ومن ثم يحدث وميضان آخران. والنوع الأخير يكون الوميض أكثر من 3 ومضات خلال 3 ثوانٍ.

نسب الوميض الطبيعية التي يصدرها ذكر الخنافس المضيئة، يقودنا إلى مناقشة أهمية حجم الضوء وأنماطه في حياة البيئات الطبيعية، ويكشف لنا مدى حاجتنا لتطوير مستوى إدراكنا للضوء في حياتنا اليومية، لأن إحدى الأسباب الرئيسية لتلوث الضوئي، هو الفجوة المعرفية لدى الشخص العادي، مروراً بحاجة المؤسسات المعنية بتصميم الضوء، في مختلف دولة العالم، إلى شراكات استراتيجية مع المؤسسات البحثية والاستديوهات الإبداعية لتصميم الضوء، من المثل البرنامج الإبداعي الابتكاري، لـ «Configuring Light / Staging the Social»، هو برنامج بحث متعدد التخصصات، مقره في قسم علم الاجتماع في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية (LSE) يعمل فيه مديرو للمشاريع كل من الدكتور دون سلاتر، أستاذ علم الاجتماع في كلية لندن للاقتصاد، ويركز بحثه على الضوء، لكنه أيضاً يبحث ويكتب على نطاق واسع في «علم اجتماع الثقافة المادية والبصرية»، و«علم اجتماع الحياة الاقتصادية (خاصة ثقافة المستهلك والتسويق)»، و«عن الإعلام الجديد والثقافة الرقمية»، ورصد سلاتر في مقابلات عدة لأهمية تضمين الناس في مرحلة تصميم الفضاء، قائلاً: «يتعلق البحث الاجتماعي بالخروج للتعرف بنشاط على مشكلة ما، في حالتنا، بحثنا استخدام الناس لمساحات المدينة، نحاول قدر الإمكان إجراء مقابلات مع الأشخاص في الموقع، وفي الواقع نسير في الشوارع معهم لمعرفة ما يفعلونه، لحثهم على إخبارنا بقصص حول استخدامهم للضوء، لمعرفة ما يلاحظونه، ونتحدث فقط عن شعور السير في الشارع وكيف ومتى وما إذا كانوا يفعلون ذلك، نقوم أيضاً بالكثير من توثيق الصور، ونلتقط بالفعل صوراً لمناطق كاملة في أوقات مختلفة، بينما نتسكع في الأماكن، ونرى من هـناك، ومعرفة من ليـس هناك، والذي غالباً ما يكون أهم شيء». 

البحث عن النور!
يشارك الدكتور دون سلاتر، الدكتورة إليترا بوردونارو، من أسست «حركة الضوء الاجتماعي» ـ حركة خيرية أسست من أجل إنشاء شبكة لمصممي الإضاءة والأطراف المهتمة الأخرى للتعاون في مسألة تحسين الإضاءة للأشخاص ـ وكذلك الدكتورة جوان انتويستل ـ كبار المحاضرين في علم الاجتماع في «King›s College London»، وجميعهم يذهبون إلى مسألة البحث عن الضوء وكيف أنه يبني الممارسات والتفاعلات الاجتماعية، مدفوعاً بالتقنيات الجديدة والمخاوف الاجتماعية والبيئية الملحة، ويطرحون الضوء والظلام كموضوعات رئيسية تواجهه معرفة قليلة من الاهتمامات البحثية حول ما تعنيه الإضاءة للناس وكيف يدمجونها في حياتهم وممارساتهم اليومية، ويسعون عبر برنامجهم إلى استكشاف الدور الذي تلعبه الإضاءة في حياتنا اليومية والمساعدة في بناء أساس معرفي اجتماعي أفضل لتدخلات تصميم الإضاءة، ويتبع البرنامج «منهج إثنوغرافي» متصل باستكشاف خاص بالموقع والممارسات الاجتماعية والتفاهمات والعلاقات لبناء بيانات نوعية، وذلك من خلال: «مقابلات حساسة ومكثفة ومتفاعلة»، «المشي ورسم الخرائط - في الضوء أو الظلام»، «طرق الإسقاط»، «التوثيق المرئي»، «تجريب تدخلات الإضاءة المبتكرة والمستنيرة للمجتمع والإبداعية»، بالتعاون مع مصممي الإضاءة، و«بحث مكثف قصير المدى لموقع أو مشاريع طويلة الأجل تعيد النظر في تطوير موقعها»، إضافة إلى «التعاون مع البلديات والمجالس والخبراء المحليين». 

المُلهم الأساسي
تعد البيئة الطبيعية، مصدراً نوعياً لتصميمات الإضاءة العالمية، بل إنها المُلهم الأساسي في بناء خطوط موضات التصميم والجمال من حول العالم، إلا أن الحاجة الماسة في أن نتجاوز التصميم على مستوى الشكل والكتلة الخارجية، إلى مستويات أعمق من خلال إعادة اكتشافنا لكيفية أداء الطبيعة في توزيعها للضوء، بين الكائنات الحيّه وظلال الأشجار وحضور الشمس، وسط تساقط الأمطار وعملية كسرها للضوء عموماً، يعد بمثابة تحول في طرق التفكير المستقبلية لحياة متناغمة بين الإنسان والطبيعة، ولا يمكن تحقيق ذلك، إلا بدراسة مجتمعية لسلوكياتنا البشرية في المجتمعات الحضرية، وأزمة إزالة الغابات، وتحويلها إلى أراضٍ زراعية، ناهيك عن استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة الضارة التي بدورها تسمم بيئات الغابات الطبيعية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©