الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أدب الطفل.. الإرهاصات والحضور

أدب الطفل.. الإرهاصات والحضور
14 أكتوبر 2021 01:08

 د. مريم الهاشمي

إن الطفل هو الأساس في بقاء الجنس البشري، وهو المخزون الذي تعده الأجيال والأمم للمستقبل، وهو من يحمل الموروث الحضاري والثقافي للشعوب، ولذا فقد أولت الحضارات الإنسانية اعتناءً خاصاً بالطفل، ولكل أمة فلسفتها الخاصة في تعاملها مع الطفل وفي طريقة تكوينه - كما تناولت الباحثة سعاد راشد في بحثها حول قصص الأطفال - ونجد ما يشبه الأدب الموجه للطفل في الحضارات.
السومريون هم من عمدوا إلى نظام تربوي  دلت عليه الحفريات عبر نصوص أدبية وصفت بأنها غاية في البساطة، وتعد الحضارة اليونانية والتي هي حضارة القوة والبأس والأسطورة، وهم الذين احتفوا بالقوة أيما احتفاء، فقد مارسوا سياسة القوة على فئة الأطفال من أجل إعدادهم أقوياء أشداء، وعنايتهم بالقوة فاقت كل عناية، فيولد الطفل ويترعرع وحديث الحروب والمعارك والانتصارات والهزائم يطرق أذنه في كل حين، وعلى السياق نفسه سارت الثقافة اليونانية التي برزت فيها أسماء خالدة في الفلسفة والفكر، وقد كانت لهم آراؤهم في التربية والحياة والتعليم، وعلى رأسهم أفلاطون وأرسطو،، فقد ناقش أفلاطون أن تربية الإنسان تماثل نمو النبات، وأنه كما يجب تعهد النبات الصغير وحمايته مما يضره ويعوق نموه نمواً صحيحاً كاملاً، فيجب كذلك حماية الطفل من التأثيرات الطبيعية والاجتماعية التي تحول دون تقدمه في هدوء واطمئنان نحو تكامله، ويتبع ذلك بتوصية الأمهات بتدليل أطفالهم الحديثي الولادة، وبهدهدتهم والغناء لهم.  وكان أرسطو مثل أفلاطون يدعو إلى التبكير في تربية الأطفال وتعليمهم، وحمايتهم من المؤثرات السيئة، ويجب انتقاء الأقاصيص لهم، كما يجب أن لا يسمعوا عبارات غير لائقة، كما التفت فلاسفة الإغريق إلى الطفولة وحاجاتها ومراحلها وطبيعة الأدب الذي يقدم لها.

عند العرب
إن المتتبع للأدب الجاهلي يجد ثراءً أدبياً بدءاً بالشعر وأغراضه إلى النثر وفنونه من قصص وأساطير وحكم وأمثال وخطب، وكان الفن حاضراً كذلك عن طريق الافتتان بالأساطير وحكايات القياصرة والملوك والشعوب وتاريخ القبائل والأيام التي خاضوها، والحروب التي أشعلوها، وما سجله أبطال المعارك في مواطن الشجاعة من انتصارات، ومن ثم أشرقت شمس الإسلام على البشرية واعتنى عناية خاصة بالطفل، فالإسلام عد الأطفال من جمال الحياة وزينتها وأقر حقوقاً كفلها للطفل: كحق الحياة، وحق النسب، وحق الرضاعة، وحق المعاملة الحسنة والتربية.  ويأتي القصص القرآني مادة ثرية لعبت دوراً في تربية الأطفال تربية عقدية ونفسية واجتماعية، لتتطور قصص الأطفال على مر العصور الإسلامية وتتأثر بالقصص الديني، كما إنه في التراث العربي القديم شعراً يؤلفه أطفال أصبحوا فيما بعد من كبار شعراء العربية، كطرفة وكعب ولبيد والمتنبي، إذ كان جلّه وليد الاكتساب.

الحضارة الحديثة
أظهرت الدراسات أن أدب الأطفال أول ما ظهر كان في فرنسا، في أواخر القرن السابع عشر، ففرنسا كانت أسبق الأمم الحديثة إلى كتابة هذا الأدب، وكانت هذه الفترة هي فترة استلهام أوروبا للعلوم العربية والشرقية وفنونها، فكان القصص الشعبي الشرقي، وحكايات ألف ليلة وليلة قد انتشرت في أوروبا في القرن السابع عشر، إلى أن يبحثوا في تراثهم عن مثيل لهذا اللون من الأدب، ونجد في البقع الجغرافية العربية أن أول بوادر نشر ما كتبه من هم دون سن الرشد في مجلات وصحف كمجلة «روضة المدارس» 1877، وجريدة الأخبار في ثلاثينيات القرن المنصرم، ومجلة «قطر الندى» 1995، وأدب الطفل مرتبط بمستويين: إبداع مرتبط بالمحاكاة، وإبداع مرتبط بالتجديد والحداثة، ونجد الاهتمام بأدب الطفل حاضراً في السياق العالمي، وتختلف الرؤية حول هذا النوع من الأدب: هل هو الأدب الذي ينتجه الأطفال انفسهم ، أم الذي يتلقونه بعيداً عن إبداعاتهم؟.

في الإمارات
أخذ الاهتمام بأدب الأطفال يتلامح في بعض الأقطار العربية، ولكن هذا الاهتمام لم يتسع ويتطور، إلا في أوائل السبعينيات، وفي دولة الإمارات لم يستقل هذا النوع من الأدب عن أدب الكبار إلا مع قيام الاتحاد، مع تجذره في المنطقة منذ عصور والتي تمثلت على شكل أشعار ترددها الأم لوليدها، ومن خلال القصص الشعبية ذات الطابع الخرافي وأخبار الغواصين ومغامراتهم وأهازيجهم التي تحكيها الجدات لأحفادهن.
وتنوع الأدب الموجه للطفل من خلال فنون أسهمت وتكاثفت لتحقق المراد في بناء شخصية الطفل، ومنها: فن الأنشودة وأغاني المهد وأناشيد الأطفال والمحفوظات التعليمية وأناشيد القصص الشعرية وتنوعت مجالات الشعر الموجه للطفل كذلك إلى المجال الديني والوطني والتعليمي والاجتماعي والترفيهي، وتعد القصة من أهم الوسائل المقروءة للطفل لما لها من تأثير في إعداده وتنشئته، فهي القالب الذي يأخذ منه الطفل القيم بكل رحابة ورغبة.
وفي الإمارات نجد إرهاصاتها وحضورها بدءاً من «الخروفة» إلى جانب ألوان الأدب الشعبي كالأمثال والحكواتي والأغاني والأهازيج والمواويل، لتأتي الخروفة بأشكالها: خراريف الليل والنهار والجن والشياطين والبطولات والشجاعة والشرف والعفة والمغامرات، وغيرها.
إن الطفل كائن يحمل كثيراً من الخصائص والحاجات النفسية والاجتماعية والفنية، وأدب الطفل يسهم في بناء شحصيته ويشبع كثيراً من حاجاته ويعده للمستقبل، وتقف القصة الطفولية في مقدمة أدوات بناء شخصية الطفل.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©