الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

تجمع العالم في «إكسبو».. «الطاولة البولندية» أسرار وحكايات

تجمع العالم في «إكسبو».. «الطاولة البولندية» أسرار وحكايات
13 أكتوبر 2021 01:19

نوف الموسى (دبي) 

كان لا بد من الدوران حولها، المشي قليلاً في اتجاه الزوايا والأطراف، وملاحظة ردة فعل جمهور الجناح البولندي، عندما يكتشف أنها طاولة، تلك القطعة الخشبية التي يجتمع عليها العالم، يتحدثون، يتسامرون، لعلهم يبكون أحياناً، وكثيراً ما يضحكون، تنسج العائلة بين أوصالها ذكريات، ويتغنى الأصدقاء بإيقاع مكنونها الخشبي ويرقصون، كأنها النار القديمة، لحظة اكتشاف رجل الكهف لمعنى الاحتفال، ومنها اتخذ البولنديون رمزاً للضيافة والترحاب في «إكسبو 2020».
يصعب في البداية اكتشاف التماهي لمعنى «الطاولة» في «العمل التركيبي» في القاعة الرئيسة للجناح، التي تم إنشاء سطحها من أكثر من 120 وحدة - كتل مطحونة من خشب الدردار البولندي، تضمنت عناصر ذات تشكلات تشبه «الفسيفساء»، من بينها «النحاس»، و«الزجاج»، و«الخشب»، و«الصلب»، و«الألمنيوم»، و«السيراميك»، ولكل عنصر رمزه المتفرد، ويمثل جزءاً حيوياً من مدن ومقاطعات بولندا، شارك في تصميمها مجموعة من الحرفيين والمصممين والمهندسين البولنديين، مشكلين موزاييك مُستلهماً من المناظر الطبيعية البولندية والفضاء الحضري، وذلك بالتزامن مع أبعاد عمارة جناح بولندا المتمثلة بهيكل خشبي شبيه بالأشجار، المتميز بنحت حركي يشير إلى هجرة الطيور على نطاق واسع من بولندا إلى العالم العربي، قُدم فيه سرد تفصيلي وجمالي للمعرض عبر مختلف التجارب المتنوعة، الناتجة عن تعاون بين استوديوهات التصميم «Science Now»، و«Stellar Fireworks»، و«Tellart». 
يمثل الجانب اللافت والأكثر إثارةً للاهتمام في مشروع «الطاولة البولندية»، هو كيفية استخدام الفنانين والمصممين لأسئلتهم الجوهرية وخيالاتهم الواسعة في الجمع بين عدة مجالات تصميمية ومعالجة للبيانات بأبعادها المرئية والصوتية، بمنهجية تفاعلية، تضمن تحقيق مفهوم «التجربة» والاستشعار للعمل التركيبي، أبرزها دعوة المصمم Maciej Siuda، من قدم عبر فريقه عنصر «الخشب»، قائلاً، من المهم عدم جعل العالم مفرداً في التبسيط، لأنه غني بالألوان والقصص والسرديات البصرية اللانهائية، وبالنسبة له، فإن أعظم ما في الأمر أن هناك الكثير من الكائنات الحية تعيش من حولنا، وجميعنا علينا أن نعيش معاً بشكل ما، وإذا ما كان هناك شيء يراه إيجابياً في العولمة، فهو هذا الشيء تحديداً، لذلك يتعاون Maciej Siuda، مع طيف واسع من الكتاب والمهندسين للمناظر الطبيعية والفلاسفة، والكتاب والمصورين وغيرهم، لتشكيل أبعاد جديدة للأفكار التصميمية. 

لوحة ثلاثية النحت
وبالنظر إلى جزئية الخشب المستخدم في إنجاز «الطاولة البولندية»، فإنه تم تزيين لوحة ثلاثية النحت المصنوعة بطريقة التطعيم بأجزاء من جذوع وشرائح وقشرة تم جلبها من أماكن مختلفة في بولندا، منها «القيقب»، و«الكرز»، و«الجوز الأسود»، و«خشب الورد»، وغيرها من الأنواع الـ 18 المستخدمة، والتي أصبحت حاملة للقصص الفردية والمجتمعية والسياسية: حول هجرة أنواع الأشجار، وطرح مسألة قطع الأشجار غير المبررة في المحميات الطبيعية البولندية، وإعادة إحياء تقنية الحرف التي بدأت تختفي ومنها تقنية «intarsia technique»، والعائدة لآلاف السنين، والتي تعتمد في أسلوبها على قشرة الخشب. 
«التجارب الفاشلة، تلهمنا دائماً لتطوير الحلول، وهذه الأخطاء عادة ما يأخذها المهندسون بشكل غير جدي، بل يلقون الرسومات والأفكار في القمامة، معتقدين أنه لا يمكن إنجازها، بالمقابل، فإنني أتعامل مع تلك الأخطاء كشيء جميل، وأبني عليه خطوطاً لمشاريع عديدة» هنا حديث المصمم والمهندس المعماري Oskar Zięta، ومناقشته لأبعاد حضور عنصر النحاس والفضة، في مشروع «الطاولة البولندية»، ممثلةً منحوتات تشير إلى المقطع العرضي لسلاسل الجبال، في عملية تحضيرها، موضحاً استخدم الاستوديو الخاص فيه، لـ «تقنية FiDU»، المتمثلة في إعطاء الأشكال المعدنية ثنائية الأبعاد بعداً ثالثاً بمساعدة الضغط الداخلي، إنها عملية فقدان السيطرة التي يتم التحكم فيها بوساطة قوة فيزيائية يمكن مقارنتها بالعمليات الجيولوجية التي تؤدي إلى تكوين قمم الجبال، ويشير المفهوم أيضاً إلى شركة «KGHM» الواقعة في منطقة سيليزيا السفلى، وهي أكبر منجم للفضة في العالم وفقاً لمسح الفضة العالمي 2021، وإلى المواد الخام التي تستخرجها: النحاس ومنتجاته الثانوية، أي الفضة، وترجع أشكال الجبال المستخدمة في نموذج النحاس، إلى الانتقال بين سلسلة الجبال في بحيرة «Morskie Oko»، أكبر ورابع أعمق بحيرة في جبال تاترا في جنوب بولندا. 

تقاسيم زجاجية
تتخيل المصممة Agnieszka Bar فعل «الليونة» في عقلها، وبعدها تظهرها في التقاسيم الزجاجية، مؤكدة أنها إذا استطاعت أن تشعر بالشكل في رأسها، فإنها بالتالي تستطيع أن ترسمه على الورق، تهتم جداً بطبيعة العلاقة التي تربطها بالحرفيين الذين يعملون على تشكيل الزجاج، خاصة في مراقبتها لعملية نفخ الزجاج، تلاحظ كيف أنها سريعة وتتطلب مراعاة لحالات التسخين والتبريد، وكيف أن كل شيء يتغير في الثانية.
في مشاركتها في تصميم جزئية «الزجاج» في «الطاولة البولندية»، كان من المهم لديها معرفة طبيعة البيئة التي سيتواجد فيها نموذج «الزجاج»، وبدأت تبحث عن العلاقة التي ستشكلها بين الخشب كإحدى المواد الرئيسية للطاولة وبين «الزجاج»، وجاءت النتيجة بإظهار آثار الهيكل الخشبي للمحيط على سطح الكتل الزجاجية، معتبرة Agnieszka Bar أن الأشكال المكعبة الشفافة ذات الحواف الناعمة تذكرنا بكتل الجليد الذائب، وهو ما يتضح من الرواسب المحدودة وغير المتجددة من الرمال المستخدمة في إنتاج الزجاج.
استرسلت الفنانة Marta Małoszyc المتخصصة في جزئية «الطين»، و«السيراميك»، إلى جانب الفنانة Małgorzata Szewc، من يعملان في مصنع Bolesławiec الشهير، المصدر لأبرز أنواع السيراميك للعديد من الدول في العالم، في حديثها عن الشعور الذي ينتقل من الفنان إلى الطين، والذي بطبيعته يشكل المواد، بدءاً من الرسومات وحالات الصب باستخدام الطين، وتجفيفه، ونقله للفرن، وجاءت مساهمة Szewc في تزيين جدران الوحدة الخزفية بعناصر زخرفية تصور «الخشخاش»، و«زهور الذرة»، و«البابونج»، وهي سمة من سمات المناظر الطبيعية للحقول والمروج البولندية. 
أوضح Mikołaj Król، الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة حوض السفن البولندي «Conrad Shipyard»، التي تعتبر بين ثلاثة مواقع متخصصة في بناء اليخوت في بولندا، حول مادة «الصلب» المستخدمة في الطاولة البولندية، والمستخدمة في إنتاج اليخوت، متحدثاً كيف أن اليخت يواجه عنصر الماء، وإنتاجه يشبه ترويضاً لباقي العناصر، «الصلب»، و«الفولاذ»، و«الألمنيوم»، و«الخشب»، و«الحجر»، وآلاف المكونات من جميع أنحاء العالم، إلى جانب عملية اللحام والطحن والتجميع والطلاء فهي طويلة ومعقدة. ويعكس منتجهم في المشروع، مراحل مختلفة من المعالجة للمواد، من شكلها الخام إلى المنتج الفاخر النهائي. 
مادة «الألمونيوم» المستخدمة في الصناعات الخاصة بالفضاء، جاءت ضمن الوحدات الحيوية المشكلة لطاولة البولندية، حيث تم تصنيعها من قبل «PIAP Space» بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في هيكل شبكي لسبائك الألومنيوم، تستخدم هذه السبائك على نطاق واسع في صناعة الفضاء، ويستخدمها «PIAP Space»، لإنتاج أجهزة تكامل واختبار الأقمار الصناعية «MGSE»، بيان أوضحته «Monika Świech»، مديرة تطوير الأعمال في «PIAP Space»، مبينة كيف أن للطباعة المعدنية ثلاثية الأبعاد جاذبية في صناعات الفضاء، من خلال إمكانية إنشاء هياكل تجمع بين الخفة والمتانة، من جهته، اعتبر Mateusz wolski رئيس مجلس إدارة «PIAP Space» أن سطح العمل التركيبي مستلهم من المناظر الطبيعية البولندية المصورة باستخدام صور الستالايت، ما يعكس التوازن بين البشر والطبيعة، ودور علوم الفضاء في التأثير في ثقافة الطبيعية في إدراك مجتمعات العالم لأهميتها.

ممرات ضوئية 
يتفاعل زوار الجناح، مع «الطاولة البولندية» من خلال ميكروفونات موضوعة في أطراف الطاولة، والتجربة تتطلب منهم التحدث بما يودون المشاركة به عبر التفاصيل الجمالية للطاولة البولندية، وبمجرد أن يبادر الزوار في إرسال مجموعة من الكلمات عبر الميكروفون، ينشأ عبر أصواتهم ممرات ضوئية، تنساب وتتحرك بين كل العناصر وقطع الفسيفساء، محدثة اتصالاً بين الصوت والضوء واللون والكلمة، مشكلين حالة من الحوار الكامن التفاعلي، وبمجرد إتمام وصول الصوت لمجمل الوحدات الفنية المنسوجة في الطاولة، يستشعر الزائر بأنه شكل «لغة وسيطة» بينه وبين الطبيعة الأم، المبنية على الإشارات الضوئية، المشفرة، ولكنها مفهومة جداً من قبل خوارزميات الكون، ليس فقط للاتصال مع البشر، ولكن لخلق حالة رفيعة وجديدة من التواصل في تجربتنا الإنسانية.

 

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©