أصبح الحصول على الطاقة صعباً الآن، لدرجة أن بعض مقاطعات الصين تخضع لحصص محددة من الكهرباء. والأوروبيون يدفعون أسعاراً باهظة للغاز الطبيعي. ومحطات توليد الطاقة في الهند على شفا نفاد الفحم منها. ومتوسط سعر جالون البنزين الاعتيادي في الولايات المتحدة بلغ يوم الجمعة 8 أكتوبر 3.25 دولار، صعوداً من 1.72 دولار في أبريل الماضي.
ومع تعافي الاقتصاد العالمي، واستعداد زعماء العالم للاجتماع في مؤتمر مهم بشأن تغير المناخ، تهدد أزمة الطاقة المفاجئة التي تمسك بتلابيب العالم سلاسل الإمداد التي تتعرض بالفعل لضغط، مما يثير توترات جيوسياسية وأسئلة عن مدى استعداد العالم لثورة طاقة خضراء، في وقت يجد فيه صعوبة في توافر الطاقة حالياً. 
والتعافي الاقتصادي من ركود الجائحة من بين أسباب الأزمة الحالية، خاصة بعد عام من انكماش استخراج الفحم والنفط والغاز. ومن بين الأسباب أيضاً، تعرض أوروبا لشتاء استثنائي البرودة استنزف الاحتياطي، وسلسلة من الأعاصير التي أجبرت مصافي النفط في الولايات المتحدة على الإغلاق، وتفاقم العلاقات بين الصين وأستراليا، مما دفع بكين لوقف استيراد الفحم من أستراليا، وحدوث نوبة هدوء طويلة الأمد في بحر الشمال قلصت بشدة إنتاج دورات الرياح من الكهرباء. 

ويرى «دانيال يرجن» مؤلف كتاب «الخريطة الجديدة: الطاقة والمناخ وصدام الأمم» أن الأزمة «تنتقل من سوق للطاقة إلى آخر. والحكومات تسعى جاهدة لتقديم الدعم لتجنب رد فعل سياسي هائل. وهناك قلق شامل مما قد يحدث هذا الشتاء، لأن هناك شيئاً ليس لدينا سيطرة عليه وهو المناخ».
ومع استعداد زعماء العالم للاجتماع، في جلاسجو في اسكتلندا نهاية الشهر الجاري، في مؤتمر للمناخ، يرى مدافعون عن الطاقة المتجددة أن الأزمة تُظهر الحاجة إلى التخلي عن الفحم والغاز والنفط مع تصاعد أسعار هذه الموارد. لكن منتقدين لهم يحاججون بالعكس وهو أن طاقة الرياح والشمس تم اختبارها واتضح قصورها. ويحذر محللون أيضاً من أن العجز في الإمداد والأسعار المرتفعة حول العالم سيقلص بشدة التعافي الاقتصادي. 
وتفادت الولايات المتحدة أسوأ عواقب للأزمة رغم بلوغ أسعار البنزين أعلى مستوى منذ 2014. لكن وزيرة الطاقة الأميركية، جنيفر جرانهولم، اقترحت في الأيام القليلة الماضية أن تبيع إدارة بايدن جزءاً من المخزون النفطي الاستراتيجي للبلاد أو تحظر صادرات النفط الخام الأميركي. وحذر محللون متخصصون في الطاقة من مثل هذه الإجراءات. وتراجعت الوزارة لاحقاً. وجاء في بيان للوزراة أن كل الأدوات محل البحث و«لا توجد خطة آنية لاتخاذ مثل هذه الإجراءات حالياً».

لكن أزمة الطاقة تقدم فرصة في ما يبدو للزعيم الروسي، فلاديمير بوتين. ولطالما استخدمت روسيا احتياطها الهائل من الطاقة كورقة ضغط في أوقات شح الطاقة. وأحد أوراق الضغط تلك تتمثل في خط أنابيب نوردستريم2 الذي يربط روسيا بألمانيا عبر بحر البلطيق، ولم يبدأ العمل بعد. وخط الأنابيب الجديد يمكن روسيا من ضخ الغاز إلى الغرب دون عبور أراضي أوكرانيا. ويرى مسؤولون أوكرانيون بأن كييف ستفقد واحدة من أوراق ضغطها القليلة على موسكو، مع عدم مرور الغاز الروسي بأراضيها، وهذا قد يغري بتصعيد التوتر في شرق أوكرانيا. 
ويجادل محللون متخصصون في الطاقة أن أوروبا تتحرك سريعاً للغاية في مسعى التخلي عن الوقود الأحفوري قبل توفير موارد متجددة كافية وقادرة على سد الفراغ. ويرون أن مرحلة الانتقال قد تستغرق عقوداً، وها هي أوروبا تسعى جاهدة حالياً للعثور على الفحم والغاز لاستخدامه في محطاتها التقليدية المتبقية. 

وحين اجتاح فيروس كورونا العالم في بداية عام 2020، كان مخزون الغاز وافراً والأسعار في أدنى مستوى، لكن إنتاج الغاز والنفط تقلص بشدة مع انهيار الاقتصاديات وتراجع الاحتياطي بسبب المناخ استثنائي البرودة في أوروبا الشتاء الماضي. 

وظهرت أزمة الطاقة أولاً في الصين، أكبر دولة تصنيع في العالم، مع تزايد الطلب العالمي على منتجاتها فجأة وبشكل غير متوقع هذا العام. وكان مخزون الفحم منخفضاً والحظر الصيني غير الرسمي على فحم «اللجنيت» الأسترالي كان يعني أنه لا يمكن سد العجز سريعاً. ولجأت شركات الطاقة إلى الأسواق الفورية للحصول على الغاز الطبيعي المسال مما أدى إلى ارتفاع أسعاره. وارتفع السعر الفوري الذي يقاس بمليون وحدة حرارية بريطانية من أقل من خمسة دولارات في سبتمبر 2020 إلى أكثر من 56 دولاراً في أكتوبر الجاري. ونتيجة لهذا، فُرضت كوابح على استهلاك الطاقة عبر ثلثي مناطق الصين مما عرقل إنتاج المصانع والحياة اليومية. وأُغلقت مصانع تماماً. وعجز الطاقة في الصين سيفاقم من مشكلة التعطل في سلاسل الإمداد العالمية التي واجهت ضغطاً بالفعل بسبب الجائحة. 
وهناك ضغط مشابه في الطاقة في الهند التي شهدت تخمة في إمدادات الطاقة في وقت مبكر من العام الجاري بعد أن أدى تصاعد مدمر في حالات الإصابة بفيروس كورونا إلى تعطل المصانع وخلاء الشوارع. لكن ثاني أكثر اقتصاديات العالم نمواً وثالثها في إنتاج الكهرباء عاود الانتعاش بسرعة أكبر من المتوقع. وأصبحت الهند تواجه الآن عجزاً في الطاقة وانقطاعاً محتملاً للكهرباء يضر بقطاع التصنيع الذي يعاود الانتعاش وفي المنازل مع بدء موسم الاحتفالات هذا الشهر. 

وفي أوروبا، بلغت أسعار الطاقة مستويات قياسية الارتفاع، والزعماء يدركون جيداً احتمال حدوث اضطرابات بسبب ارتفاع أسعار الوقود. فالحكومة الفرنسية تريد بشدة تجنب تكرار احتجاجات السترات الصفراء التي اندلعت عام 2018 بسبب تصاعد أسعار الوقود وضريبة كانت مقترحة على البنزين، ولذا أعلنت الشهر الماضي عن «سقف للأسعار» يحول دول حدوث زيادات أخرى في أسعار الغاز والكهرباء. وفي أسبانيا، وافقت الحكومة أيضاً على إجراءات طوارئ تستهدف مساعدة الأسر الفقيرة على دفع فواتير الكهرباء. 
وذكرت «كادري سيمسون»، مفوضة الطاقة للاتحاد الأوروبي، أمام البرلمان الأوروبي في الأيام القليلة الماضية، أن هذه الأزمة «تضر بمواطنينا وخاصة الأسر الأكثر هشاشة وتضعف التنافسية وتفاقم ضغوط التضخم. وإذا تركت دون تدخل، قد تعرقل التعافي مع تافقمها». وفي بريطانيا أدى العجز في الإمدادات إلى طوابير طويلة في محطات التزود بالوقود وارتفاع الأسعار. وأعلنت شركات الوقود عن عجز في سائقي التوصيل، لأن عدداً كبيراً منهم كانوا من دول أوروبية أخرى وعادوا إلى ديارهم بعد بريكسيت. 

ويل إنجلوند
صحفي أميركي حائز على جائزة بوليتزر
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»