الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

حرب الكلمات

حرب الكلمات
11 أكتوبر 2021 01:08

هي اللحظة التي تشعر فيها بأنك داخل الحرف، وخارج العِبارة، تشتعل في روحك مواقد من رغبة في الكتابة لكنك لا تقوى عليها، تشعر بأن النار تأكل كل فكرة تتسلل إليك في غفلة من الليل والزمن والوقت، حرب مستعرة تتقد في عقلك، لا تملك سوى الدوران حول نفسك، تذرع المكان جيئةً وذهاباً وتلك العصيةُ عليك تمارس دلالها وغنج القصيدة، الأنثى الفاتنة، تلك التي تركض نحوك أحياناً، ودون مقدمات.
تشعر بأنك مستهدف وأنت تقف عاجزاً عند بياض ورقةٍ راعب، وحرفٌ ينظر إليك بشزر يريدك أن تكونَه، أن تقترب من فكرة اللحظة، وتدنو، تدنو أكثر من حلم يباغت الروح في أن يكون هوَ، فلا يستطيع، مكبل هو بقيد الحالة، والمزاج، والتوهان، والحيرة، كثيرة هي الأشياء التي تقيده فما يكسر القيد إلّا الكلمة، وما الكلمة إلّا صديقٌ خائبٌ يجهل متى وكيف يقتنص روحك، ويأتيك على حين حب يقرأ عليك تفاصيل الوقت، ويرقص طرباً لأنك كنت كما كان يتمنى، وتشتهي أن يكون هو الأقرب لك لروحك، أقرب حتى من الكلمة العصيّة على الإشراق.
تحترب الكلمات في داخلك، تنزّ كمن أوقده الضوء ساعة إغفاءة، تصير لك عكازاً أنيقاً لا يشبه قلب صديقك الراحل، لكنه قريب جداً من صفات جارك الطيب، الإنسان الرحب، ذي الابتسامة التي لا تتلون، تصير تبحث في اللغة عن لحظة الاقتناص، تلك التي تلح على دماغك، تجعلك حائراً غير قادر على أن تجرّ حرفاً، أو تنصب آخر، فقط الذي تملكه أن تضع علامة السؤال في آخر سطر جاف لم يمرّه المطر.
الليل يهتك ستر الصبر، يوقعك أسير عتمته، وأنت تروح نحو نقطة الضوء التي تتبدى من خلف شاشة صماء، أو ستارة مال عليها الزمن فثُقبَ جزء من نسيجها الفاتن الذي حينما تنظر إليه نهاراً تشعر وكأنك تقف أمام شلال ماء، أو نهر من العذوبة تود لو أخذت قطرة منه، وارتشفتها دون أن تدرك في نهاية الأمر بأنها مجرد ستارة حولتها اللحظة والحالة إلى ماء يتسرب إلى روحك عذباً زلالاً، أنيقاً ومهيباً.
الكلمات مصيدة الكاتب، والجُمل قيده العنيف، والاستعصاء مرضه الأبدي، كيف له أن يخرج من أتون المعركة، والليل طويلٌ طويل، تحتاج لأن تكون وحدك، وأنت وحدك لا تدرك تفاصيلك، تجهل ما أنت عليه من جنون وسكون، من وجع وفرح، من رغبة ورفض، من انتصاف واكتمال، من احتمال أن تكون ممسوساً بوقع حرفٍ، أو نبض قصيدة.
الليل وحده يسمعُ صوت المعركة، والمعركةُ وحدها من تنكسر عندها أقلامك، ولحظاتك الأثيرة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©