تجلى الإبداع كل الإبداع في إكسبو دبي بالأمس، ولعله سيكون علامة فارقة، ومنعطفاً في مسيرة هذا المعرض الدولي الذي انطلق قبل مائة وسبعين عاماً، وسيكون المعرض المقبل تحدياً حقيقياً للدولة المستضيفة، فدبي جعلت إكسبو رقماً صعباً، لقد زرت معارض إكسبو في لشبونه وشينغهاي وإشبيلية وميلانو، لكن «دبي غير»!
جميل حين يلتقي الحب بالفرح بالدهشة بالمتعة، بالأمس.. كان نشيداً جميلاً بمثابة فرح عارم للجميع، أبرّد القلوب، وأسعد النفوس، وجعل الدموع تترقرق في المآقي والعيون، جاء الفرح تتويجاً لمنجزات سابقة، وأعمال زاهرة متواصلة، كان الفرح شأن النجاحات الأخرى التي يفرحنا ظهورها وتألقها في سماء بلادي.
لذا كان للجميع حق الفرح، هذا الفرح الذي يمكن أن يصنعه فرد أو يمنحه فريق أو تحظى بشرفه مدينة جميلة مثل دبي، حيث كان الفرح يلعلع فيها ابتهاجاً بالظفر، والزهو كتاج يليق بالإمارات، هو فرح من تلك الأفراح الجماعية التي قلما تسمح الأيام بها، كان فرحاً عارماً بطعم قهوتنا المعمولة للتو، بطعم هيلها وزعفرانها، بطعم حديث مَنْ دقّتها وزَلّتها وصبّتها، ومن أدارت الرشاد في هاونها المعدن، هو فرح من تلك الأفراح التي تطرب بيوتنا في زمنها الطيني، زمن يوسم بالخير والتسامح والتواصل والحب الذي يقتسمه الناس، وذلك المطر الذي يحيي الأشياء، يجعلها خضراء، فرح طرق أبواب قلوبنا كما تطرق الغيمة المظللة، المحملة، الشرود بأغانينا وآمالنا وأحلامنا المؤجلة، والقابلة أن تكون نشيداً للجميع.
هو فرح يشبه رائحة أول تباشير النخل في مساء ممطر، معطّر، تقودك روائحه إلى ذلك المكان المشبع بالثمر والتين والريحان، الجارية أفلاجه من الغيل والسيل، الماسكة خواصره أشجار الليمون والهمبا، وما تسلق الجدران من ظلال الياسمين، هو فرح يشبه ضحكة القلب التي تأتي هكذا عفوية وبسيطة على وجه رجل نحبه، ونعضّده، وجهه وجه الخير، ومقدمه السماحة والبشارة، نتوج بفعله وأفعاله عمائم رؤوسنا، هو أشبه بصهيل امرأة نعشقها حدّ الوَلَه، تحتل القلب، وتسكن الرأس، وحدها التي يمكن أن نناديها بـ الغالية أو ماء العين والنظر.
هذا الفرح الذي كان، ونتمناه أن يكون.. ويكون، يشبه لهفة العائدين المسافرين أشهراً في بحار من الزرقة والمسافات، وعذابات الريح، جالبين الرزق الحلال لنفوس تتوق للحياة، ولونها، يشبه تمتمة أول طفل جاء متأخراً، بدا بالعافية وبضحكة أسنان اللبن، ولثغ: عيشي بلادي.
هو فرح يشبه أول كأس من بعد رحلة الظمأ، وحريق العطش، بتلك الرجفة التي تجبرك عليها النفس، وتلك الرعدة التي تمد بها اليد لهفة بفرحها البارد الرطب.
هو.. فرح يشبه نومة الظل في نهار القائلة، رائحة زهر الليمون والسفرجل في تلك البساتين القديمة، برودة العشب الندي فيها، ظل الصيف فيها، وعطر الجدات بحكاياتهن في مساءاتها.
فرح يشبه مسك الأماكن القديمة التي يسربّها زمن العشق، وذكرى الناس الأولين الطيبين..
كان شيئاً من العطر.. شيئاً من المطر.. شيئاً من السُكر.. شيئاً من الذي يعلق على صدر الوطن طويلاً.. ومديداً.
كان فرحاً ملوّناً في عيون الجميع بلون الأبيض والأحمر.. والأسود.. والأخضر، تلك الراية العالية والغالية.