لا زالت كرة ثلج الديون العالمية تتدحرج غير عابئة بالتغيير المناخي الذي ساهم في ارتفاع درجة حرارة الأرض! وقد أشار تقرير لمعهد التمويل الدولي إلى ارتفاع حجم الديون الحكومية في العام الماضي بنسبة 12.5% لتصل 80 تريليون دولار، مقارنةً بعام 2019، وهو ما يمثل 95% من الناتج المحلي الإجمالي للعالم. كما ارتفاع إجمالي الديون الحكومية والخاصة بنسبة 9.3% لتصل 281 تريليون دولار، مقابل 257 تريليون خلال نفس الفترة، وهو ما يمثل 355% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي

.ومن المعروف في الحسابات القومية أن المعدل المقبول لنسبة الدين العام للناتج المحلي الإجمالي يجب أن لا تتجاوز 60%، وهو الوضع الذي يتيح التعامل مع القروض، إذ إن تجاوز ذلك ينبه إلى أن الاقتصاد يسير في اتجاه مصاعب ربما لا يمكن تداركها.

أما إذا ما تجاوز نسبة 100%، فإن ذلك يعني وجود أزمة حقيقية، فعندما وصلت نسبة الديون إلى 140% بالنسبة لليونان على سبيل المثال، أثناء الأزمة المالية الأخيرة، انهار الاقتصاد وانتشرت البطالة وفقد المدخرون ودائعهم وساد الركود الاقتصادي، مما استدعى تدخل الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، حيث تم ضخ ما يقارب 400 مليار يورو ساهمت في إنقاذ الاقتصاد اليوناني الذي تعافى من جديد بعد ثلاث سنوات، وهو يسير الآن في الطريق الصحيح.

مشكلة الديون العالمية تختلف تماماً عن مشاكل الديون على مستوى كل دولة، فعملية الإنقاذ هنا غير متاحة، على اعتبار أن نسبة الديون مرتفعة جداً، كما أنها تطال أكبر اقتصادات العالم، إذ إن أكبر الدول المدينة في العالم هي الولايات المتحدة التي تبلغ ديونها السيادية 23 تريليون دولار وبما يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي، تيلها بريطانيا وفرنسا، حيث تحتل الدول الصناعية المراكز العشرة الأولى، مما يعني أن مسألة الإنقاذ هنا غير واردة تماماً.. فحجم الديون سيفوق القدرات المالية لكافة الدول ومؤسساتها المالية والمصرفية، مما ينذر بخطر انهيار الاقتصاد العالمي ككل في حالة انفجار الفقاعة.

ولنأخذ على سبيل المثال وضع الديون لأكبر اقتصاد عالمي، فالولايات المتحدة واجهت قبل سنتين مشكلة تمويل الموازنة الاتحادية والتخلف عن التسديد إذا لم يوافق الكونجرس على رفع سقف الدين العام، وهو ما تم بالفعل في الرمق الأخير، حيث عادت هذه المشكلة من جديد الآن، فالحكومة الأميركية ستكون غير قادرة على تمويل أنشطتها في شهر أكتوبر القادم، بما في ذلك دفع الرواتب والإعانات الاجتماعية وسداد الديون إذا لم يوافق الكونجرس من جديد على رفع سقف الدين العالم والذي وصل إلى مستويات خطيرة، علماً بان الكونجرس رفض بداية الأسبوع الجاري رفع السقف. وبالتأكيد سيوافق الكونجرس على عملية الرفع في نهاية المطاف، إذ لا يوجد بديل لذلك، فالبديل حددته وزيرة الخزانة «جانيت يلين» قائلة إن ذلك سيؤدي إلى رفع معدلات الفائدة وتراجع أسعار الأسهم بشكل حاد وحدوث اضطرابات مالية، كما أن عدم تمكّن الولايات المتحدة من سداد ديونها سيفقِر ملايين الأميركيين.. أي باختصار إمكانية انهيار الاقتصاد الأميركي والذي سيجر معه الاقتصاد العالمي.

كما أن بنك الاحتياط الفيدرالي سيضغط على زر الكمبيوتر ليضيف تريليونات أخرى من خلال طباعة المزيد من الدولارات. لكن السؤال المهم هنا هو: إلى متى ستستمر هذه العملية؟ الذي نعرفه جيداً هو أنها لن تستمر إلى ما لا نهاية، كما أنه لا توجد حلول سحرية، فالاقتصاد العالمي، وبالأخص الأميركي أدمن القروض إلى درجة مخيفة، وهو ما ينذر إما بانهيار اقتصادي شامل، وإما بحروب متعددة الأطراف وذات طابع عالمي للخروج من مآزق الديون والأزمة الاقتصادية التي ستترتب عليه، كالحروب التي أعقبت أزمات ذات طابع عالمي. ومع ذلك هناك بصيص أمل للخروج من هذا النفق يكمن في إمكانية التعاون والتنسيق الدولي، إلا أن الأمور في هذا الجانب تسير في الاتجاه المعاكس. فالتنافس الشرس وغير العادل هو سيد الموقف، لذلك، فإن التساؤل ليس: هل ستنفجر فقاعة الديون؟ وإنما هو: متى ستنفجر؟

*خبير ومستشار اقتصادي