الفنادق.. بدأت بـ«خان» يتشارك فيه الإنسان ودابته، حتى أصبحت اليوم أشبه ببيت الآلهة في الميثولوجيا، أول مرة أتعرف على الفنادق كان في أواخر ستينيات أبوظبي، وكنت أعتقد أنها مجانية أو على حساب الحكومة، مثل المضيف أو «المضوف» كما كنا نسميه في العين، حيث يستقر الدوار القديم الذي كنت شاهداً حين استقبل فيه الشيخ زايد -الله يرحمه- الملك حسين، وجعفر النميري، وكان الطريق إليه مترباً، مغبراً، وقبل وصول الضيوف، تقوم «فوزه» بأمر من حياة «غريب» برش الطريق لكي تهدأ غبرته، ولم يبق منه الآن إلا بقايا قرط النواصر، وبقايا مكان ما زال في رؤوس الأولين، وحين دخلت أبوظبي سمعت كلمة فندق أو «أوتيل» ولم أكن أعرف معناها في ذاك الوقت، ورأيت فندق «العين بلاس، وزاخر، وبعلبك»، وواحداً «كحيان» في «بارهوز»، كانت «جميلة» الباكستانية تدير أحد تلك الفنادق، وفي زمن شح الماء في أبوظبي في بداية الستينيات كان هناك مكان لـ«السبوح» أو الاستحمام بقطعة معدنية، أما أول فندق حقيقي في العين فكان «الهيلتون»، وحين زرت المغرب في أواخر السبعينيات، نزلت في «نزل الهليطون» في الرباط، ويومها لا أعرف معنى «نزل»، وأعجب من «الهليطون»، لكنني خبرت بيوت الشباب الرخيصة التي كنت عضواً فيها، وسكنتها لأول مرة في باريس «بورت دو أورليون» في أواخر السبعينيات في بيت الشباب التونسي، حيث يمكنك أن تأخذ أكلك من مطعم قريب، وتستحم في حمام بجانب الممر، وحين تعددت الأسفار عرفت درجات الفنادق، بعضها لا تقبل أن تنام فيها كـ«المسافر خانه» في الهند والدول الفقيرة، وبعضها قد يتعبك نفسياً، ولكنه يريحك مادياً كـ«بنسيونات» متناثرة في دول أوروبا، وتتخذ صفة عائلية يتوارثها الأبناء والأحفاد، وهي مريحة في القرى والأرياف، وبعضها تخاف أن تدخله كالفنادق الفاخرة، والتي عليك أن تدفع ضريبة السكن فيها في كل لحظة، بعضها صديق، يشعرك أنه بيت للخالة الطيبة أو ملاذ للجدة التي بقيت تقاوم السنين وحبك، بعضها يشعرك أنه «بركس» أو ثكنة عسكرية أو سجن محتوم عليك أن تزوره بسبب جرم لست مقتنعاً به.
في حياة السفر والترحال كنت أحتفظ بأرقام غرف الفنادق في مدن العالم، وببعض الصابون والشامبو وعلب الكبريت وقصاصات من أوراق بيضاء للكتابة، وأقلام مختلفة، ثم حين وُجدت بطاقات المفاتيح صارت هواية أخرى جديدة، بعض الفنادق في المدن تحب أن تزورها بعد عقود من السنوات لتعرف حالها، وما آلت إليه أحوالها، بعضها يكون يوم أن ودّعك البواب بنفس غير رضيّة، هو آخر عهد لك بذلك المكان.
لبعض الفنادق ذكريات ولحظات جميلة، وفيها زوايا دافئة، وصباحات مباركة بالعمل والرزق والمشاريع، بعضها فخاخ نصبت لأناس طارئين، لا يعرفون من المدينة إلا بوابة الفندق وردهته الباردة، وما يمكن أن يقتنصوه من خاصرة المدينة.. ونكمل غداً.