بأنامل ذهبية، يداعب قماشة الحرير على ظهر الخيمة، ويسرد قصة النشوء والارتقاء ما بين الحبل، والجريد، وعلى وجهه النحاسي الأصيل، ترتسم ابتسامة الصباح عندما يطوي ساقين مقرفصين، مندمجاً مع إبرة الخياط، مرتباً مشاعره الرهيفة، متناغماً مع رفيف الحبال، كأنها الأوتار في قيثارة الوجود، كان لصوته بحة الزمن الجميل، ورقة الناس الأوفياء، ونخوة النبلاء، تسمع نحنحة الصوت المنبعث من حبال صوتية منها الله بحنان سماوي، إلهي، جعله في ضمير الناس كائناً استثنائياً، يسكن القرية بقلب له من دفء التراب، سجية، ومن رفيف أغصان السدرة فطرة تحمل في الثنايا رائحة ولحناً كونياً يجعلك تخفض له جناح الذل من محبة.
أحمد الفرنسي، من تلك المرتفعات الرملية، من تلك الصهوات القادمة من طين الأرض، يهبط صباحاً كل يوم، ويمر عبر الأزقة، متأزراً طاقته الإيجابية، مزملاً بأحلام القرية المهيبة، مجللاً  بخيال الرفقة الطيبة لكل من عاشوا زمانه، وكل من عاصروا وهجه، وكل من رافقوه حلم معيريض الزهية، على جبينه ترفرف أجنحة البساطة، وفي عينيه يشع بريق الألفة، وتلك الخيام التي كانت حصون الأيام الخوالي، ودروعها، وفصولها، وأصولها، ومفاصل وعي أهلها، ومناجل حياضهم، ورياضهم، ونواصي موائلهم، كان الرجل المؤدلج بإرادة البقاء، المطوق بعزائم العطاء بلا حدود، وعندما تأتي الريح حاملة مناجل الهدم، والتدمير، يكون أحمد الرمسي مع يقظة الصباح، على عاتقه تستعيد الخيام نهضتها، فترتفع هاماتها منتصبة كأنها النسور على وجيب التراب، محتفية بأنفاس الرجل المهيب، منتفضة من بعد سبات، ذاهبة إلى السماء بأسقف كوكبية شامخة، راسخة حذرها الأرض، وسقفها في العلا، سامقة باسقة، شاهقة، مترامية في الوجود كأنها القبعات العملاقة، تظلل أديم معيريض، بأوامر من ذاك الفنان، المبدع، في صناعة الفرح، ذاك الرجل الهياب، في نظراته العميقة، ذاك المكلل بحب عشاق الحياة.
أحمد الرمسي، إمام الحاطبين، صائغي قماشة الخيمة، سابكي قلادة العريش، منضد مشاعر السعفة، منجد أحلام النخلة، وهي تزم شفة عند أطراف الزقاق المنعم بهوى، وهواء، أحمد الرمسي طيب الله ثراه، وأسكنه جنات النعيم، كان في ضمير معيريض، وأهلها، الأشواق التي ظللت رؤوس الناس بصدق المهن النبيلة، وإخلاص الحرف الأصيلة.