أن تجلس وحيداً تحت الشجرة، معناه أن رأسك يصلح عشاً للطيور المهاجرة، وأن الأفكار التي تراودك حين تغمضُ عينيك هي أفكار ارتحالٍ. قم إذن واتبع ظلك حتى يختفي، ثم اصعد جبلاً واغطس في بحيرة واكتب على جدران الكهوف اسمك. عند ذلك ستدرك أن العمر مجرد لحظة ضوء متلاشية، وأنك حين تقولُ: لقد عشتها تماماً، ستكون قد ابتعدت في أفكار وعيك من حدود الضيّق والبسيط إلى منتهى ملامسة النهايات المستحيلة، ليس جسداً فقط، وإنما بالخيال والحلم ومطاردة الدهشة أينما حلّت، وأينما طارت.
أن تجلس وحيداً في الباص، معناه أن الطريق الذي تسلكه كل يوم بمللٍ وروتينٍ قاتل ليس دربك الحقيقي، وأن هناك، وراء المنعطفات التي تخاف منها، تكمن الحقيقة الناصعة، الحقيقة التي تُدرك في قرارة نفسك أنك لو وجدتها، ستخرج من جلدك وثيابك، تقفز في المغامرة بقلبٍ واثق، وتضحك للحياة بشفاهٍ مترنمة. وسوف يسميّك المرتبكون (الروح المنفلتة من أسرها)، ولن يكون عجباً لو غار منك الطير وحسدت جناحيك النسور وشهقت عند مرآك الغيمة المسافرة.
أن تجلس وحيداً منتظراً أن يُكمل النهر مروره، يعني أن الزمن لبس نعليك وغادر إلى الضفة المقابلة، وأن الساعة التي في يدك معطوبة منذ أول يوم لبستها فيه. لن يقول لك النهر اتبعني، ولكن مياهه التي تتكسر على الصخر تحمل في روحها دعوةً لك لمقاومة عجزك. جرّب أن تحمل حجراً، انفخ في الحجر واقذفه في التيار الذي تظنه ضدّك، وسترى أن الحجر يعاند قليلاً، وأن الصلابة التي في داخلك، قادرة على شق الدروب في الأرض، وأن خطوتك الواسعة، إن قمت، ستجعلك سيداً على عبور الفيافي من شرقها إلى غربها.
جلوسك وحيداً تحت النافورة في الساحات العامة يعني أن البشر الذين ظننتهم رفقاء في المعنى، هم في الحقيقة مختلفون. كن ذاتك إن أردت أن تنتمي للجميع. توحّد في الذود عن معناك الذي تحسّه بعمق في جوهر روحك. أنت تُدرك بالفطرة مجرى الخير وما يسدّه. وتشتاق نفسك إلى الجمال وينجذب قلبك إلى عناق النسمة الدافئة. لكن ذلك لا يعني أن تدخل اعتباطاً بين الجميع وتتشبه بهم لتصير منهم. لا، وُلدت مختلفاً وعليك أن تبقى هكذا لتكتمل باختلافك، دائرة انتمائك للكون. تماماً كما القطرة التي تشعر بانفصالها عن البحر، ومع ذلك ينام في سرّها البحر كله.