طال الطريق بأفغانستان في رحلة العودة إلى الاستقرار لعقود عجاف من عمر الزمان. حتى الساعة لا نستطيع القول بأن الأمور استقرت تماماً بعد انسحاب الأميركان، وبعد خروج كل الجيوش التي رابطت هناك، وعادت الآن إلى أوطانها.
في أول انفجار حول مطار كابل، وأمام أعين العالم التي لم تغفل لحظة عما يجري على الساحة الأفغانية من تطورات متسارعة لم نعهدها في دولة وصفت بـ«الفاشلة» من قبل. كيف لـ«داعش» أن يدخل إلى عكس سير«طالبان»، ولم نكن نسمع لهم حساً ولا خبراً طوال أكثر من عقدين لفترة الصراع العالمي في أفغانستان، إلا لماما كما وقع هذا الحادث في يوليو 2019 عندما زعم جناح «داعش» في أفغانستان، المعروف باسم «ولاية خراسان»، أن «40 من المصلين قتلوا أو أصيبوا» بعد تفجيرهم مسجد شيعي (مسجد المحمدية) بمقاطعة غزنة وسط أفغانستان.
لذا، نعتقد بأن دخول «داعش» على خط التماس مع الداخل الأفغاني، سوف يعقد الوضع هناك أكثر من السابق، ويضاعف حجم التحديات التي بحاجة إلى أدوات اللعبة السياسية من دون اللعب على وتر الدين أو الإسلام أو العرق.
و قبل أن تكتمل عمليات إجلاء رعايا الدول العالقة، دخلت «طالبان» في حرب مع جماعة «أحمد شاه مسعود شاه» أسد بانشير «في سبعينيات القرن الماضي عندما قام والده بطرد السوفييت من أفغانستان قبل ولادة «طالبان»، لكن سرعان ما تم حسم الموقف لصالح «طالبان».
رغم انسحاب أميركا من أفغانستان الذي قاربه البعض بانسحابها من فيتنام، إلا أنها ما زالت متمسكة بتلابيب الحرب على الإرهاب التي شنتها على «طالبان»، واليوم ستخرج أفغانستان من تلك العباءة لتصبح دولة طبيعية تسعى لتلبية احتياجات شعبها.
من الواضح بأن أميركا لن تستخدم جنودها مرة أخرى على الأرض، بل حربها هناك من السماء موجهة إلى الأرض.
و هو ما أشارت إليه صحيفة «بوليتيكو»الأميركية: بأن الولايات المتحدة تخطط لاستخدام طائرات البحرية الأميركية لمحاربة إرهابيي «داعش» على الأراضي الأفغاني.
بل أميركا تذهب مع «طالبان» أبعد من ذلك، فعلى عهدة «نيويورك تايمز»: البنتاجون يبدي استعداده للتعاون مع «طالبان» لمحاربة «داعش»
عجبا لأمر السياسة، بالأمس القريب كانت أميركا مع «طالبان» أضداد، وبتسارع الزمن انقلبا أنداداً من دون حرج.
و هو ما نستشفه من تصريح المتحدث باسم «طالبان» لوكالة «سبوتنيك»، مستعدون لإقامة علاقات مع واشنطن تخدم مصالح كل من أفغانستان والولايات المتحدة، ونرحب بالمشاركة الأميركية في إعادة إعمار البلاد.
إذا كانت «طالبان» في لحظتها مشروع استقرار، فالكل يدرك بأن «داعش» مشروع فوضى خلاقة لكل ما يمس الدولة الوطنية في مقتل.
و يخشى البعض من عودة سيناريو سوريا والعراق وليبيا إلى الساحة الأفغانية، إذا ترك «داعش» يسرح ويمرح كما يهوى.
عندما غادرت أميركا الساحة الأفغانية، فهواجس الإرهاب لم تفارقها، حتى أعطت القادة العسكريين في كابول صلاحيات تدمير أي سلاح أميركي تفاديًا لأن يصل إلى إرهابيين. والخوف أن تتخذ «داعش» الساحة الأفغانية لتوجيه ضرباتها الإرهابية، وربما هذا ما جعل الأميركيين يشيرون إلى حقهم في ملاحقة الإرهابيين في أفغانستان والقضاء عليهم في حال مارسوا أي تهديدات ضد المصالح الأميركية.

كاتب إماراتي