خطاب حالة الاتحاد (وهو تقليد سنوي بدأ في 2010) الذي ألقته رئيسة المفوضية الأوروبية «أورسولا فون دير لاين» حاز اهتماماً أقل من ذاك الذي يلقيه تقليدياً الرئيس الأميركي كل شهر يناير، ذلك أن الولايات المتحدة لاعب استراتيجي عالمي، في حين أن الاتحاد الأوروبي لم يبلغ هذه المرتبة بعد. ولكنه على الأقل يبدي طموحاً إلى ذلك، والخطاب الذي ألقته «فون دير لاين»، التي ما انفكت تدعو إلى مفوضية «جيوسياسية» منذ أن تولت منصبها، يسير في هذا الاتجاه.

فون دير لاين، التي سعت قدر الإمكان لتحاشي الإشارة إلى الولايات المتحدة والصين، تحدثت عن أوروبا تتميز عن هذين العملاقين بسلوك أكثر انسجاماً ومسؤولية تجاه بقية العالم. قوة قادرة على تولي أمرها بنفسها ولكنها تعترف في الوقت نفسه بأن لديها واجبات تجاه الآخرين. إنها عقيدة الاتحاد الأوروبي. 
وبعد أن أشارت إلى وباء كوفيد- 19، استهلت خطابها بإشارة إلى روح أوروبا التي ستجعلها تنتصر في هذه الأزمة، وخاصة عبر إشراك الشباب المصمم على تحسين العالم. وهو ما قد يؤوّله البعض بأنه إشارة ضمنية إلى الممارسات الصينية والأميركية التي تبدو أقل ميلا نحو المصلحة العامة. 
فالاتحاد الأوروبي قام بتلقيح سكانه بنجاح (700 مليون جرعة لقاح، 70 في المئة من السكان تلقت اللقاح)، ولكنه في الوقت نفسه وفّى بالتزامه في ما يتعلق ببقية العالم: إذ أُرسلت 700 مليون جرعة إلى الخارج. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية في هذا الصدد: «إننا المنطقة الوحيدة في العالم التي فعلت ذلك». وكذلك بخصوص شهادات كوفيد- 19 الرقمية، أعلنت «فون دير لاين» أنه بينما كانت بقية العالم تتحدث عنها، فإن «أوروبا فعلتها بكل بساطة». وفضلاً عن ذلك، فإن نمو منطقة اليورو تجاوز نمو الولايات المتحدة والصين خلال الفصل الأخير. 
ورداً على الانتقادات المتكررة بشأن ما يقال إنه عجز وضعف من جانب أوروبا، تحدثت رئيسة المفوضية الأوروبية عن أوروبا أكثر نجاحاً وفعالية من القوى العالمية الأخرى، في ما يبدو رغبة في إظهار قوة الإرادة الأوروبية.
ووفق «فون دير لاين» على المفوضية، التي لم تكن تمتلك مهارات صحية، أن تستعد بشكل أفضل لتجنب الأوبئة المقبلة، وتدارك تأخرها في ما يتعلق بالتكنولوجيات الرقمية، والتحضير لاستقلاليتها في ما يتعلق بأشباه الموصلات. كما شددّت على أهمية الاستثمار في استئناف الحياة الطبيعية على المدى القصير والازدهار على المدى الطويل معاً، مع الأخذ في عين الاعتبار الأخطاء التي ارتكبها الاتحاد خلال أزمة 2008 المالية. 
فآنذاك، استغرق الأمر ثماني سنوات من أجل العودة إلى مستوى الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة ما قبل الأزمة.

أما اليوم، فإن فترة عامين ستكون كافية بالنسبة لوباء كوفيد- 19. أما بخصوص التحدي العالمي الكبير الآخر بعد الجائحة، والمقصود به ارتفاع حرارة كوكب الأرض، فقد ألمحت «فون دير لاين» إلى أنه إذا كان الجميع متفقاً على التشخيص وضرورة التحرك السريع، فإن أوروبا وحدها تتحمل التزامات ملموسة وخاصة تجاه تمويل الجهد الدولي من أجل مكافحة تغير المناخ، وهي حاجة تقدّر بـ100 مليار دولار سنوياً تدفع منها أوروبا 25 مليار دولار. ولكن الهوة الكبيرة التي يتركها الآخرون تجعل الهدف العالمي مستعصياً على التحقق، تقول «فون دير لاين»، في ما يبدو طريقة لإرسال رسالة تنبيه لبكين وواشنطن. 
وإذا كان الإخفاق في أفغانستان يرغم حلفاء «الناتو» على الإجابة عن «أسئلة جد مزعجة»، فإن «فون دير لاين»، تقول إنها تعمل حالياً على إعلان مشترك جديد سيصدر عن الاتحاد الأوروبي/الناتو. كما أعلنت عن قمة للدفاع الأوروبي من المرتقب أن تُعقد خلال تولي فرنسا الرئاسة الدورية للاتحاد، ولكنها تحاشت استخدام مصطلح الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية أو السيادة الأوروبية. 
كما بعثت رئيسة المفوضية الأوروبية برسائل قوية إلى أعضاء الاتحاد الذين لا يحترمون دولة القانون أو مكافحة الفساد. إذ يجب الأخذ في عين الاعتبار التصورات المختلفة لأعضاء الاتحاد الـ27، مع العمل في الوقت نفسه على إعطاء دفعة مشتركة وإعطاء صورة أوروبا ناجحة وقادرة على التحدث بندّية مع الصين ومع الولايات المتحدة. وعليه، فيمكن القول إن الاتجاه صحيح، ولكن الطريق ما زالت طويلة. 

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس.