ما يصطلح عليه في كل المهن تقاعداً أو إحالة على المعاش في الستين من العمر، يسمى اعتزالاً في كرة القدم، ولكنه بكل الأحوال لا يتأخر عن سن الأربعين، فقلة هم اللاعبون الذين رابطوا في الملاعب لما بعد الأربعين، من دون أن تضعف لديهم الرغبة والشغف واللياقة البدنية والنفسية، بل إن من اللاعبين من أكرهوا على تعليق الحذاء في سن مبكرة بسبب إصابة عضلية خطيرة لا تمنح القدرة على تحمل الأعباء البدنية والمشاق التنافسية التي يستلزمها التباري في المستويات العالية.
هذا الاعتزال الرياضي هو بالمختزل الحزين، عقبة كأداء يصطدم بها اللاعب، اصطداماً بذات الرجة القوية التي يحدثها اصطدام الموج الكاسر بالصخر المتجبر، بخاصة عندما لا يكون هذا التعليق الاضطراري للممارسة مرتباً له بشكل قبلي. اعتزال يطفئ الأضواء من حول الرياضي، يحجب عنه النور النيزكي الذي كان يشرق من كل الشرفات، ولا يغدو تلك البلورة السحرية التي تتعلق بضوئها الجماهير ووسائل الإعلام.
اطلعت على دراسة أنجزتها جمعية اللاعبين المحترفين الدوليين في محور بالغ الأهمية «قلق ما بعد الاعتزال الرياضي»، وكان محزناً بالفعل أن الدراسة المنجزة توصلت إلى أن ثلثي اللاعبين لا يعرفون ما يفعلونه بعد الاعتزال.
سنة 2019 أطلقت جمعية «فيفبرو»، مشروعاً لمساعدة اللاعبين في مشوارهم الرياضي الذي يلي الاعتزال. وتعاونت النقابة الدولية للاعبين مع جامعة بروكسيل البلجيكية، لتستفتي رأي ما يقرب من 288 لاعباً ولاعبة حول العالم، بالإجابة عن سؤال كيف سيكون مستقبلهم المهني والمعيشي والرياضي بعد تعليق الحذاء، وكانت نتيجة هذا الاستفتاء صادمة، إذ إن 67 بالمائة لا يعرفون ما هم فاعلون بعد الاعتزال.
ويعتقد سبعون بالمائة من المستفتين أن من قشات النجاة التي قد يتمسكون بها مساعدات عينية قد يحصلون عليها، إما من الدولة أو من الجامعات والكليات أو من الأندية، ليؤمنوا الانتقال الصعب من الممارسة إلى الاعتزال، بما يمثله ذاك الانتقال من مخاطر، نخطئ كثيراً عندما نظن أن لها طبيعة مادية فقط، فهناك خطر أكبر يهدد الصحة العقلية.
ولا يمكن عند العودة لسير كثير من اللاعبين والرياضيين، ألا نعثر على حالات تبرز الجانب المظلم في الاعتزال الرياضي، فهناك رياضيون باعتزالهم، إما أدمنوا المخدرات، وإما جنحوا للمهالك بسبب الفراغ الروحي وغياب البديل المهني، وإما دمرهم الاكتئاب بعد أن شعروا بالقهر والوحدة والعزلة.
هذه الدراسة المنجزة وهي تنتهي إلى هذه الخلاصات المفجعة، كانت وازعاً إنسانياً لكي تدق جمعية اللاعبين الدوليين ناقوس الخطر، لطالما أن فئة الرياضيين في كل المجتمعات تزداد اتساعاً، ولطالما أن الرياضة التي تنعت بالمصعد الاجتماعي وتصدر للمجتمع نماذج بشرية ناجحة، لا يمكنها بسبب الإهمال واللامبالاة أن تصدر عاهات وأعطاباً بشرية للمجتمع.