هي قصة «فانتازية» غير أنها يمكن أن تقع في واقعنا العربي المليء بالمتناقضات والخروقات، وغير المتصالح مع نفسه كأفراد وجماعات، الكثير يريد أن يثبت نفسه، ويجعلها تقف رغماً عنها بأقدام خشبية متهالكة، والكثير يريد أن يرمي بعقده على الآخر ليتحملها، بعد ما ناءت بها أكتافه، القصة تدور بشأن أمور نعدها خطأ، والتورط في ردة فعلها خطأ، والفاعل والمفعول به على خطأ، والمسألة برمتها خطأ في خطأ، لأنها تعد من الأمور التي تحتكم لشرع الغاب، لكنها مع ذلك تدخل الرأس في وقتها، ويراها الكثير منا ردة فعل طبيعية، وتجد رضاً في داخل النفس البشرية، ولو داخلياً لا ظاهرياً، بحيث يجزم الكثير أنه لو كان مكان الآخر لفعل، وأكثر، بل ستجد من الناس من يحلف مسبقاً بأغلظ الأيمان أنه سيغيب الفاعل وراء الشمس، مثل قصة مدير، وموظف في حفلة «تعارف» لموظفي الشركة مثلاً، حيث صار المدير يتغزل بزوجة الموظف، ولا يخفي مراده، الموظف سكت في المرة الأولى على أساس أنه مديره، وتقبلها منه كمجاملة، فلما أثقل المدير عليها، وعلى روح الزوج، كتمها الزوج وعدّها من باب «التحضر» مع ابتسامة مرّة، لكن المدير يصرّ أن يراعي موظفيه وزوجاتهم بطريقة الهبش، حينها تخلى ذلك الموظف عن كل مبدأ العلاقات العامة التي يمارسها في الشركة على مضض، وتخلى عن رهبة تلك الهيبة التي كان يراها حينما يسمع خطوات المدير، ولم ير ساعتها إلا الشرر أمام عينيه، وأحس بسخونة الدم في عروق رقبته، فقام وشج رأس المدير، وأدماه، ثم حمله، ولكن ليس على الأكتاف أو على كفوف الراحة، إنما بيديه عالياً، وطوّح به، ثم رضخ به الأرض، وأصبحت الشركة بمديرها وموظفيها في حفلة «عرس الدم» وظهر المتجملون المجاملون وهم يكيلون الشتائم للموظف، ويؤنبونه على فعله، وبعضهم تنبأ له بمستقبل مظلم في الشركة والسجن، لكن الموظف برّد جوفه، وشعر بزهو الانتصار، وكبر في عيني زوجته، ولم يعبأ بها إن لامته فيما بعد، المهم أنه تصالح مع نفسه، وتحمل مسؤولية فعله، وكفى، صحيح أنه دخل السجن، والمدير عملت له غرز، وجبيرة، وعاده كل الموظفين، ونقلوا له استياءهم وشجبهم واستنكارهم لفعلة ذلك الموظف، وسموه حينها «غبي ومجنون» لكن الموظف كان يمكن أن يموت، لو لم يظهر جذوة الغضب تلك، ويعتقد مثلما يعتقد الكثير منّا، أن السجن ليس له في هذا الموقف، حيث «يعد السجن للرجال»، وصحيح أيضاً أنه شفى غليل الكثيرين أو أرضى غرورهم بفعله ذاك، كجزء من انتقام مسكوت عنه في دواخلهم، والذي لا يستطيعون البوح به، ولو سكت ذلك الموظف لكانوا لاموه، والمجتمع عيّره بأفظع النعوت والأوصاف الشائنة، ويمكن أن تلتصق به حتى الممات، ويمكن أن تتبعه لقبره، ويمكن أن يتوارثها أولاده من بعده، تلك هي أحكام المجتمع القاسية، والذي لا ينسى ولا يرحم، وقد تعبر إلى أجيال مقبلة.
مثل تلك الحادثة في مجتمعنا العربي غير المتسامح- والأفضل له أن يكون غير متسامح في مثل هذه الأمور- تصبح المسألة حياة أو موتاً، والكثير يفضل البتر، والكي، ولا يُقَال عنه الذي يمكن أن يُقال.