يُحتفل في مثل هذا اليوم (21 سبتمبر) مِن كلِّ عام، بدعوة لاقتران العمران بالسَّلام والتَّسامح، مقابل اقتران الخراب بالحرب والكراهيَّة. تلك معادلة عرفتها البشريَّة، مِن التجارب، ليست الحرب فقط معكوس السلام، إنما الكراهية أيضاً، والسلام له وجه يقترن عادة بما يهبه الربيع للطبيعة والإنسان، أما الحربُ فثعبان ذو رؤوس، لا يتوقف انشطارها. احتفلت صحيفة «الاتحاد» ومركز «تريندز للبحوث والاستشارات» بأبو ظبي، بما اقترحته منظمة اليونسكو منذ (1981)، وأقرته الأمم المتحدة عالميَّاً. 

يذكر التَّاريخُ دعاةً واجهوا الحروب مبكراً، فلنَّا اعتبار «هرم بن سنان» و«الحارث بن عوف»، مِن الأوائل، بقياس مكانهما وزمانهما، ولولا زهير بن أبي سُلمى، ما وصل خبرهما إلينّا، عندما أشاد بهما مادحاً السّلم وذاماً الحرب، فشبهها بالرَّحى، ومَن يولد في أجوائها مشؤوم كأحمرِ عاد، عاقر ناقة صالح. 
قال زهير: «وقد قلتما: إنْ نُدْرِك السّلمَ وَاسعًا/ بمالٍ وَمَعْروفٍ من القول نَسلمِ/ وَمَا الْحَرْبُ إلّا مَا علمتمْ وَذُقتُمُ/ وَما هوَ عَنها بالْحَديثِ الْمُرَجَّمِ/ مَتى تَبْعَثُوها تَبْعَثُوها ذَميمَةً/ وتَضْرَ إذا ضَرّيْتُمُوها فتَضْرَمِ»(المعلقة). 
كان مبدع فكرة الأشهر الحُرم الأربعة داعيةً مِن أجل السَّلام، ففيها «تنزع الأسنة عن رماحها، وتقعد عن شنِ الغارات، وكان الخائف فيها يأمن أعداءه، حتى إن الرَّجل إذا لقى قاتل أبيه أو أخيه لا يعترض له»(القزويني، عجائب المخلوقات). سماها الغزالي(ت: 505ه) بالفاضلة(إحياء علوم الدِّين)، يتوقف فيها السَّلب والسَّرقة(الأصفهاني، الأغاني). يتم فيها تبادل الأسرى، وتفتح الأسواق، المعرضة للنَّهب عادةً، فأشد غارات اللُّصُوص، حتَّى يومنا، تنشط خلال الحرب. كما يتوقف خلالها تنفيذ حكم الإعدام(ابن سعد، الطَّبقات الكبرى). 

أمَّا في التَّاريخ الحديث، فقد تبنى قبل الحرب العالمية الأولى الدَّعوة رجل ظهر اسمه بين ضحايا «تايتانيك»، الغارقة في الأطلنطي، وهو الصَّحافي الإنجليزي وليام توماس ستيد. قام الشَّاعر الشَّيخ عليّ الشَّرقيّ(ت: 1964) بدور صاحب المعلقة مع ابن سنان وابن عوف، خلده في قصيدته: «دمعة على ستيد»(1912): «هل انكسر الشّعاعُ به انعكاسا/ أم استعلى برسمٍ مِن (ستيدِ)/ أداعيَّةَ السَّلام وقد تداعى/عليك سلام أرواح الجنودِ»(الدّيوان). 

بعد وضع الحرب العالميَّة الثَّانيَّة أوزارها، نهضت شخصيات عالمية بالدَّعوة إلى السَّلام، فعقدوا مؤتمراً (1948)، ثم تشكلت «لجنة اتصال للمؤتمر العالمي للمفكرين مِن أجل السَّلام»، مقرها باريس، بعدها اجتمعوا بالعاصمة السّويدية، وأُطلقوا نداء «إستكهولم»، طالبوا فيه حظر الأسلحة النَّوويَّة. وقَع البيان(273) شخصيةً، بينهم بيكاسو، صاحب حمامة السَّلام، ثم عُقد مؤتمر بوارشو، وآخر بهلسنكي، عُرف بـ«مؤتمر السَّلام العالميّ». انتخب أول رئيس له الفيزياوي فردريك كوري، ومن أشهر رؤسائه الشخصية الهندية روميش شاندرا. 
وقع بيان إستكهولم من العراقيين رجال دين وشخصيات معروفة، بينهم الشَّيخ عبد الكريم الماشطة(ت: 1959). ومن هذا المؤتمر تشكلت مجالس السِّلم، منها مجلس السلم العراقي، وانتخب الماشطة رئيساً، وكان الشِّيخ محمد الشِّبيبي(ت: 1959) عضواً، ومِن أشد المدافعين عن حركة السِّلم. 
وجه الماشطة كلمة منها: «الله تعالى يباهي بكم الملائكة على معاونتكم لإخوتكم، واهتمامكم بردع الحروب، وتخليص البشرية من ويلات القنابل الذَّرية والهيدروجينية». (نشرة المجلس الوطني لأنصار السَّلام). 

قارب السَّلام بين أطراف الدنيا، بينما باعدتها الحروب، ليظهر يوم السَّلام العالمي، بمقترح من اليونسكو، تتبناه الأمم المتحدة، ليس ضد حروب النِّيران حسب، إنما لدرء حروب التعصب والكراهيَّة أيضاً. 

كاتب عراقي