في القصة القديمة، ذهب أحد المثقفين إلى نحات، ولما رآه مندمجاً في نحت تمثال عند مكان قصي، استغرب الرجل، وقال للنحات إنك تتعب نفسك في صناعة التمثال من هذا الصخر الأصم! فأجاب النحات قائلاً، إنني لا أنحت الصخر لاسم تمثال، بل التمثال موجود في الصخر، وكل ما أفعله أنني أزيح عنه الغبار.
الجمال موجود في الأشياء ونحن الذين نزيح عنه الغبار، أو أننا نردمه به. هكذا كان يفعل عبدالرحمن النجار، عندما يعكف على الخشب مستدعياً ذلك القارب الجميل ليطل على العالم من كنف هذا الخشب الأصم.
كان الرجل النبيل موقناً أن الجمال يكمن في أعماق الأشياء، وأن ما تقوم به أنامله هو إزاحة الغبار عن تلك الأخشاب ليتجلى الكائن الرهيب، والذي تطلق عليه «قارب»، ثم بعد استكمال النقش، ووضع الفسيفساء على مخمل الخشب، يقف عبد الرحمن النجار، عند ضفاف خليج أغر، عند خاصرة معيريض عند لسان بحري أشبه بخصلة خضراء استرخت على كتف الساحل، مهدهدة قواقع الوجود، مستمدة من المحارات تمرة الصبر.
النجار بهامته الهيابة، يضع يده على جبينه، ليحمي عينيه من خيوط الشمس المسننة، ويتأمل ذلك القمر الذي تلامس مع الماء ليصبح في الحياة جبلاً  يطفو على الماء بخفة الطير، وروعة الموجة، ومهارة الزعنفة وبراعة اليد التي نمقت، ورونقت، ونسقت، ودققت، وحدقت، وخططت، ولونت، وصففت، ورتبت وعينت نفسها ربابة تلحن الشكل، وتتناغم مع اللون، ليصبح ذلك القارب، أنشودة تخلد وعي الناس بأهمية أن يكون الإنسان في أي مهنة، فناناً، بارعاً، مبدعاً، متلذذاً بما يقوم به من فن.
هكذا كان السيد عبد الرحمن النجار، ينحت في الحياة، وجه الجمال، ويصور في المهنة، معنى أن نكون عشاقاً، والحياة قصيدتنا التي نرسلها إلى السماء، كي تحاكي النجمة، وتعانق الغيمة، فيهطل مطر الفرح على قلوب الناس جميعاً، كان الرجل يتعامل مع الخشب المنشار، كمن يكتب قصيدة، ويلحنها، حيث يجري المنشار في ضلوع الخشب منسجماً مع النشيد الداخلي، لروح الرجل المهيب.
تلك كانت السيمفونية، العريقة، والعلاقة ما بين الشجرة التي أصبحت قارباً، الرجل الذي صار، منشداً في ساعة الرخاء العاطفي.