في وقت تلجأ فيه مزيد من البلدان إلى اشتراط تلقيح ضد فيروس كورونا في محاولة للسيطرة على الوباء، تسير إنجلترا في اتجاه مختلف. إذ قال وزير الصحة البريطاني ساجد جاويد للصحافي «آندرو مار» من هيئة الإذاعة البريطانية يوم الأحد الماضي: «إنه لمن دواعي سروري أن أعلن أننا لن نمضي قدماً في تطبيق المخططات المتعلقة بجوازات سفر خاصة باللقاحات».

وقال جاويد: «هناك العديد من الدفاعات التي ينبغي أن نبقي عليها لأن الفيروس لم يرحل، إذ ما زال هناك وباء بالطبع، وعلينا أن نبقى حذرين»، مضيفا «ولكن ينبغي ألا نفعل أشياء فقط من أجل فعلها أو لأن آخرين يفعلونها». الإعلان مثّل عدولا عن اعتزام الحكومة اشتراط الإدلاء بدليل على الخضوع لتطعيم كامل من أجل السماح للناس بدخول النوادي أماكن مزدحمة أخرى في إنجلترا.

وكان من المتوقع أن يبدأ العمل بهذا النظام، الذي كان القصد منه تحفيز الناس على أخذ التطعيم، وخاصة الشباب، نهاية الشهر. نحو 65 في المئة من السكان في إنجلترا مطعمون بشكل كامل. ولكن معدلات التطعيم بين الشباب متأخرة، مقارنة مع الفئات العمرية الأكبر سناً. وقد انخفضت الإصابات بفيروس كورونا منذ شهر يوليو، وإن كانت إنجلترا ما زالت تعلن عن أكثر من 20 ألف إصابة جديدة يومياً.

وقال رئيس الوزراء بوريس جونسون في كلمة موجهة إلى الشباب في شهر يوليو الماضي: «من المحتمل أن تصبح بعض من أهم متع الحياة وفرصها مرهونة بالتطعيم على نحو متزايد». غير أن مسؤولين كانوا قد ألمحوا إلى أن المخطط لن يتحقق أبداً، وإلى أن الحكومة تستخدم تهديد جوازات سفر خاصة باللقاحات من أجل إقناع الناس بتلقي التطعيم فقط. وفي أواخر شهر يوليو، أشار وزير الخارجية «دومينيك راب» إلى زيادة في مواعيد التطعيم في فرنسا عقب إعلان حكومتها بأنه سيصبح من الضروري الإدلاء بدليل على تلقي التطعيم، أو اختبار سلبي للإصابة بفيروس كورونا، أو مناعة طبيعية من أجل الدخول إلى المطاعم والمقاهي وأماكن أخرى اعتباراً من شهر أغسطس. وبعد شهر على دخول هذا النظام حيز التنفيذ، انخفضت الإصابات بفيروس كورونا. وقال مستشار في الصحة العامة لموقع «بوليتيكو» الإخباري إن هذا الإجراء «أنقذ عشرات الآلاف من الأرواح».

واعتمدت إيطاليا أيضا نظام «تصريح أخضر» في يوليو يشترط إدلاء الناس بما يفيد تلقيهم التطعيم، أو التعافي من كوفيد- 19، أو اختبار سلبي حديث من أجل الوصول إلى أنشطة في أماكن مغلقة – وهي خطوة يبدو أنها ساعدت على زيادة السياحة الداخلية، فيما شكّل مفاجأة للبعض. وتعتزم مدينة نيويورك، وعدد من الأقاليم الكندية اعتماد تدابير مماثلة.

ولكن بعض البلدان، مثل إندونيسيا وتركمانستان، اختارت بدلا من ذلك إجبارية شاملة للتطعيم. وفي الأثناء، وضعت روسيا والولايات المتحدة المسؤولية على عاتق المشغِّلين لاشتراط حصول العمال على التطعيم – وإن ليس من دون انتقادات. في إنجلترا، واجه مخطط جواز السفر الخاص باللقاح معارضة شرسة من مختلف ألوان الطيف السياسي، إذ وصفها مشرّعون من حزب المحافظين الذي ينتمي إليه جونسون بأنها عائق أمام الشركات. كما عارض «الديمقراطيون الأحرار» الإجراء، وكذلك فعلت بعض الأماكن.

وأثار زعماء حزب العمال مخاوف بشأن المخطط ودعوا إلى إضافة عنصر الاختبار. مخاوف أقر بها جاويد يوم الأحد، ولكنه دافع عن دراسة الحكومة لإمكانية تبني هذه السياسة إذ قال لمار: «لا تعجبني فكرة القول إن عليك أن تدلي بأوراقك من أجل القيام بنشاط يومي. ولكننا كنا على صواب في دراسة الأمر وبحث هذه الإمكانية، والنظر إلى الأدلة». غير أنه أضاف أن على الحكومة أن «تبقي عليه من باب الاحتياط كخيار ممكن» في حال تدهور وضع فيروس كورونا.

والحال أن بعض الأماكن تطلب من الناس الإدلاء بدليل على تلقيهم اللقاح في جميع الأحوال، كما أفادت الـ«بي بي سي». وقبل أيام قليلة فقط، كان مسؤولون حكوميون دافعوا عن فكرة جواز سفر خاص بالتلقيح باعتباره ضرورياً. وانتقدت نائبة زعيم حزب العمال أنجيلا راينر يوم الأحد التحول السريع واصفةً مقاربة الحكومة تجاه جوازات سفر خاصة باللقاح بـ«الفوضوية من البداية». حكومة جونسون تعرضت لانتقادات شديدة بسبب تحولات في سياساتها خلال فترة الوباء أدت إلى تآكل ثقة الجمهور. وأتت التصريحات التي أدلى بها جاويد الأحد قبل إعلان جونسون عن مخططه لمكافحة فيروس كورونا في الشتاء بالنسبة لانجلترا يوم الثلاثاء. وينطبق إعلان الأحد على إنجلترا فقط. ذلك أن ويلز ما زالت تدرس إمكانية تبني جوازات سفر خاصة باللقاحات، والناس في اسكتلندا سيصبحون مطالبين بإظهار دليل على تلقيهم تطعيماً كاملاً حتى يستطيعوا دخول النوادي والعديد من الفعاليات الكبيرة في أكتوبر. أما ايرلندا الشمالية، فإنها لا تبحث حالياً إمكانية تبني مثل هذه التدابير.

*صحفية أميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»