ألقت جائحة كورونا بظلالها على جوانب سيكولوجية حادة لم تنتبه لها كثير من المجتمعات، رغم أنها كانت واضحة، إلا أن قسوة ظروف التباعد الاجتماعي، والعزل المنزلي، والحجر الصحي.. ارتفع بها لتطفو على السطح بشكل لا يمكن التغاضي عنه. فقد صاحب تلك الظروف بروزٌ أكبر لأعراض الأمراض النفسية لدى شريحة واسعة من المجتمعات، ناهيك عن التداعيات المؤلمة التي تسببت في إهمال وتأجيل متابعة الرعاية الصحية للمرضى النفسيين في 93% من مجموع دول العالم، بالتزامن مع ارتفاع ملموس لحالات القلق والاكتئاب الناتجة عن الخوف وعدم توافر روابط التواصل الاجتماعي، بالإضافة لتداعيات «الأزمة» الاقتصادية على ذوي الدخل المحدود.
وفي محاولة لإجراء مقارنة تقديرية حول خطورة هذا الأمر على الدول بشكل عام والدول ذات الموارد المحدودة بشكل خاص، يكفي الحديث عن وصول نسبة الأشخاص الذين يعانون من مشاكل الصحة النفسية أو من تعاطي المخدرات في الولايات المتحدة الأميركية لـ40%، مما يعني أن هناك تضخماً في الأزمة النفسية للمجتمعات، الأمر الذي يشير إلى مخاطرَ تحول دون تطور وازدهار تلك البلدان أو تعافيها على أقل تقدير. 
لقد أقحم العالم داخل فوهة بركان من الهلع والخوف سبقت التدخل التوعوي والإعلامي، فكانت النتيجة وصوله متأخراً في العديد من المجتمعات، وبالتركيز أكثر على ضحايا هذا الأزمة في المستوى الأول، وهم اللذين أصيبوا بالفيروس «كوفيد-19». لذلك فالعمل على تحديد الأكثر تضرراً وتقديم ما يحتاجونه من رعاية واهتمام، يعد من أكثر الخطوات أهمية في هذا المجال، وبخاصة لما ينتج عنه من تجنيب مراكز الرعاية الصحية ضغطاً أكبر وتشتيتاً لأهدافها. 

وفي حين أعطيت الأمراض المعدية والمتفشية في بعض الدول أولوية العناية والاهتمام بالتزامن مع مواجهة جائحة كورونا، كان الاهتمام بالصحة النفسية بمستوى لا يقل عنهما أهمية، سيما أنه يعتبر شرطاً أساسياً لمكافحة كافة المخاطر والتداعيات الواقعة على كاهل الإنسان، وبالتالي فإن تنشيط وإنعاش هذا النسيج المجتمعي لا يكون دون تحصين نفسي يحول دون تدهور المرض النفسي وتحوله لمرض جسدي، فعوز صحي، فانهيار اقتصادي لا تحمد عقباه. فالتحديات الإنسانية، وخاصة «المعاصرة» منها، تتصف بترابط وثيق، ولا يمكن فصل أحدها عن الآخر، وهو الأمر الذي يؤكد عليه جون ألين، مدير معهد بروكينغز الأميركي للبحوث. فقضايا تغير المناخ، والحاجة إلى انتعاش اقتصادي عالمي، وتعزيز النظام الدولي.. لا يمكن تحقيقها بلا صياغة قيادية عالمية تتخذ كخطوة إجرائية بعد تقديم العلم خبراته.

وفي حين ترتبط المؤثرات والعوامل المحيطة ببيئة الإنسان، مولِّدةً ظروفاً وأحوالاً مستجدةً، فإن أمل الخروج بنسبة كبيرة من الانتصارات في نزال الإنسان مع سيكولوجيته، يكون من خلال الحد من الضغوط التي تتعرض لها شريحة الأطفال والشباب، وبخاصة تلك التي تؤثر على تطور المستوى الفكري والإدراكي، لا سيما في ظل وجود ما يزيد على 463 مليون طفل حالت جائحة كورونا دون وصولهم للمنصات التعليمية الحضورية أو الافتراضية، وهم يمثلون ما نسبته 31% من أطفال المدارس، كما جاء في دراسة لليونيسيف، تتناول تأثير الجائحة على الأطفال في عام 2020.
وعليه، فلا بد من تسخير كل الإمكانات المتاحة، لضمان استمرارية التغذية التربوية والتعليمية للأطفال، وتوسيع نطاقات التفاعل الاجتماعي، والدعم المعنوي والمادي، وتوفير استراتيجيات تنظيم التدريس الهجين والافتراضي والحضوري الجديد، وفتح كافة الآفاق المتاحة لتوفير بيئة تعليمية وتفاعلية أكثر سلاسة وحيوية، معززةً مستوى التوازن بين مؤشرات البوصلة الإنسانية الأساسية، الروحية والجسدية والعاطفية النفسية والعقلية السلوكية.. لصناعة إنسان أقدر وأسعد في حاضر ومستقبله.

أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة