جدّد وصول حركة «طالبان» للسلطة في أفغانستان نقاشات ما برحت تُثار في ديارنا منذ قرنٍ ونّيف. بيد أنّ الأطراف التي تشارك في النقاش أو الصراع تبدو هذه المرة مختلفة الأهداف. ووحدها الدول العربية تبدو شديدة الاهتمام بالسلم الداخلي هناك، وبحاجات الناس وأمنهم في حياتهم وممتلكاتهم. وهذا مضمون تصريح وزير الخارجية السعودي، كما أنّ دولة الإمارات أرسلت حتى الآن طائرات عدة تحمل مساعداتٍ للشعب الأفغاني.

وقد صرّح مسؤولون دوليون بأنّ إدارة مطار كابُول تدور المناقشات حولها مع «طالبان» ودول بعضها عربية. أما الدول الأخرى القريبة والبعيدة، فتدور تصريحات مسؤوليها ومطالبها الظاهرة حول حقوق الإنسان والحكومة الشاملة، والحقيقة أنّ همَّها الأبرز إلى أي المعسكرات أو الجهات تؤول مصائر البلاد، وعلى مَنْ تُحسب. بعض هذه الدول ما سُرَّ بإخماد المقاومة في وادي بنجشير، وإن سارعت الصين لتقديم منحة صغيرة قدرها 31 مليون دولار لـ«طالبان» من أجل الاحتياجات الأساسية.
والظاهر فإنّ «طالبان» لم تتصرف بخلاف المتوقَّع، فقد شكّلت حكومةً مؤقتةً أعضاؤها من قادة الحركة المنتصرين، فما كانت «شاملة» كما طالب الغربيون، وما كان منتظراً أن تفعل خلاف ذلك. وقد جرّب العالم كله حكومات حركات التحرير وحكومات الانقلابات. ففي الحالتين، يعمد المنتصرون أو الانقلابيون إلى الانفراد بالقيادة لأنهم «ثوريون» ويريدون القطيعة مع «الماضي الملعون»!
الأمر بالنسبة لنا نحن العرب مختلف عن اهتمامات الغربيين والروس والإيرانيين والهنود والباكستانيين. البعض يريدون اتقاء الشر، فيما يطمح الصينيون إلى توسيع نطاق «الحزام والطريق» المعلن منذ عام 2013. وأخيراً يرغب الأميركيون في تجنب شائعات ووقائع الهزيمة. 
لماذا ينبغي علينا نحن العرب أن تكون اهتماماتنا مختلفة؟ لأننا نرى أن الشعب الأفغاني يستحق الاستقرار بعد الحروب والصراعات على أرضه منذ عام 1979. ولا ننسى ونحن نتأمل المشهد الأفغاني الجديد أنه هناك تم في التسعينيات استقبال «القاعدة»، والتي تحلُّ هذه الأيام ذكرى إغاراتها على الولايات المتحدة. ولذلك فالاستقرار بتلك البلاد يهمنا- كما يجب أن يهم العالم- لكي لا تعود الموجات الإرهابية التي انتشرت وأنزلت أضراراً كبيرةً بالاستقرار في بلدانٍ عربية وإسلامية عدة، خاصة بعد ظهور نسخة «داعش» المتحورة والرهيبة!
بعد همّ الاستقرار والانضباط، يأتي هَمُّ التأثيرات الدينية. لا يبدو القاعديون ولا الدواعش في خطاب الحركة وتصرفاتها حتى الآن. لكنّ قادة الحركة خليطٌ من الملالي وأبطال الحروب السابقة. وهم يحملون شعار تطبيق الشريعة، وهو شعارٌ حمله من قبل الصحويون، وتسبب في اضطراب كبير في ديارنا وفي العالم. كان الذين صنعوا هذا الشعار في خمسينيات وستينيات القرن الماضي من الصحويين. لكنّ أوساطاً في الفئات الوسطى الاجتماعية، اغتروا به وأيدوه. والمقولة خَطَلٌ كلُّها، فالإسلام سائدٌ في مجتمعاتنا، ولا داعي لإعادة تطبيقه. لكنّ الشعار حمله دعاة الإسلام السياسي سعياً للسلطة ولتقويض نظام الدولة الوطنية الحديثة.. وما نجحوا في إحقاق شعارهم في أي بلدٍ عربي، لكنّ حركات الهوية لا تزال منتشرةً، وما ابتعدت كثيراً عن ممارسة العنف. 
والأمر يبعث على التفكير والتصرف بشأن «سياسات الدين» في المرحلة الجديدة، عبر تقوية مناعة المؤسسات الدينية بجعْلها عصيةً على الاختراق من جهة، وللإبقاء على انسجامها مع أُطروحة «الحكم المدني» التي قال بها الشيخ محمد عبده، مفتي مصر، عام 1902، من جهةٍ ثانية.