بدأ الليل يلفني برداء العتمة فرغبت أن أغفو ولكن الفجر كان يوشك، والظلال ما تبقى من رداء الليل. فحلمت أنني نهضت وسريت فجراً، وكان الضباب وشاحاً وماء البحر على الشاطئ يتبع خطاي. فهمست لنفسي: هو ذا مسراي بين عتمة اليأس وفجر الأمل. وحنين الروح كالماء في كيميائه سر وجودي، وكالشعر الذي سينقشني على حجر الخلود. وهذا العالم من حولي فيض الخلق والفيض احتضاني، ومروج الكون لي، ولي سحر القصيدة وعطر الورد وتلويح الظلال وهمسة المعنى الخفي. ولي نبع سخيٌ غامضٌ كالكون يدفق في وريدي. ثم أغمضت جفنيّ وهدأت، ولكن ما يشي به العقل لا يوقفه الغفو. فقلت للنفس: أنا المأخوذة بسحر الورد والعطر منثور على لون ردائي. أنا الحائرة، الهائمة الضالعة في الإبحار والتيه، والرملُ مذ جئتُ إلى الدنيا احتذائي. سموتُ فوق السرد فاستنبتُّ من طين الفجيعةِ كل نبض في حروفي. لي مثل سر الماء والأخضر كنهي، كأني تراب زاخر بالتبر، معجون بسر الكيمياء. 
كل هذا لي، ولي ما هجست به الأرزاء والأهوال. وما خبأ العمر في خفاياه، وما اكتنزت به الرؤيا حين الحدس ينهض ليستقرئ الآمال في خفايا الغياب. وقلت: نعم.. ربما شردتني الأوهام والأحلام والتوقُ الذي أضناني وعذبني إلى العليا الحنين، غير أني ما انحنيتُ، لأني حين حدقت.. أبصرتُ وأدركتُ بأني كلما آويتُ إلى نفسي اكتنزتُ. وكلما أسلمتُ للروح قيادي أسلستني، وحين رأيتُ الكون في هيئة قلبي انصهرتُ كلهب الأحلام في الخيال والإبداع. وكلما ظللني غيمٌ تساقطت كرذاذ الندى على مروج ضمها فجر ٌوخصبها الهطولُ. كلما تهتُ وناديتُ عليّ سمعتُ الماء في الأنهار ينسابُ شفيفاً وسخياً فكأني قد أُجبتُ. كلما آمنت أن النور مسراي تيقنتُ بأني قد أضأتُ. 
وفي ما يشبه الآهة همست: حين ألقت الكائنات عليّ رداء الغياب، وخط على القلب نهر الظنون تعاريجه أوشكت أن أتحول زنبقة في إناء الخريف، ولكنني سأهمس للضحى أن يظلل كل أحلام الغبش بين السريرة والسرير. فلا ضوء يخترق الضباب من أول الماء حتى جذور الشجر. ولن أراني غير متئدة أسير في دروب يقظة تدفق كالنهر في خفايا حنيني. وكما كنت أحيا في الوهم دوماً، أشتهي أن يتبع النجم مسراي رغم تيه الغيب حين يومض كنثار الرذاذ في الظلام الكثيف. هكذا آليت أن أهدأ في ظلي وأنسلُّ إليَّ!