السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبدالله الغذامي يكتب: العقل يحكم.. العاطفة تحكم

د. عبدالله الغذامي يكتب: العقل يحكم.. العاطفة تحكم
11 سبتمبر 2021 00:12

«العقل يحكم / العاطفة تحكم» مقولتان الأولى منهما لأفلاطون الذي يمنح العقل قوةً متعالية على كل خاصية نفسية، أو روحية أخرى في الإنسان، ويقول تبعاً لهذا إن العالم لن يستقيم أمره إلا إذا تولى حكمه فيلسوف بصير بالحكمة والعلاقات الحياتية والإنسانية، لأن الفيلسوف في تصوره هو وحده من وصل إلى أعلى درجات العقلانية وهو الذي يرى ما لا يراه غيره، غير أن ديفيد هيوم يرد مقولة أفلاطون بنقيضها المطلق، ويرى أن العاطفة - وليس العقل - هي التي تحكم، بل يرى أن العقل خادمٌ للعاطفة. وقد نرى مبالغةً في كلام هيوم في إزاحة العقل، وتحويله لمجرد خادم يخدم العاطفة من حيث إن العاطفة هي التي تدير تصرفات الإنسان، ومهما تعجبنا من مغالاة هيوم، لكننا، واقعياً، سنرى أن العقل البشري يقوم بأدوار تشير إلى تسليمه بالعاطفة، بمعنى أن العقل ينتهي لتبرير ما هو عاطفي، ويسعى إلى عقلنة مراد العاطفة، فالحروب مثلاً عمل غير عقلاني من حيث الأساس كونها تقوم على التدمير واحتلال الآخرين، وسبيهم كما في القديم، واستعبادهم واستعمار أرضهم ومقدراتهم كما في الأزمنة الحديثة، ولكن العقول البشرية جنحت دوماً لتبرير الحروب، ومنحها دلالات ترتقي بها لحدود المسؤولية الحضارية العليا، وكذلك في السلوك اليومي البشري سنرى أن الناس تمارس عقلنة تصرفاتها التي هي عاطفية في الأصل، فإذا أحب الإنسان أو كره مال عقله مع حُبّه أو كرهه، وبدأ يمنح هذا الحب أو الكره أسباباً يلبسها لبوس المنطقية، وسنرى أيضاً أن الرغبة أو الرهبة تتحولان لخطط واستراتيجيات لمواجهة المخاوف الافتراضية، وتجري ما تسمى بالحرب الاستباقية لتسبق وقوع الخوف الافتراضي الذي يتبين في كثير من الوقائع أنه لم يكن له سبب ملموس يقتضي قيام حرب، ولكن قوة الحس العاطفي تتحول لتصبح قناعةً عقلية، وهذه حال من حالات خدمة العقل للعاطفة، ومع هذه الوقائع ذات الشواهد التاريخية والممارسات اليومية إلا أن تفضيل العقل يظل هو السائد الثقافي مع إحالة كل فكر عظيم إلى العقل والعقلانية، مع التهوين من مقام العاطفة والموصوف بالعاطفي سيكون وصفه مذمةً وليس مديحاً، وهذه هي العقلية النظرية التي انطلق منها أفلاطون وظلت تتقدم كل التصورات، غير أن ما يثبت دوماً هو أننا عاطفيون، ولكننا نعقلن عواطفنا في حين نقلل من شأن عواطف غيرنا، تماماً كما نعلي من عقلنا ومعقولاتنا، مقابل التقليل من شأن معقولات غيرنا. وكأن العقل كامل ومعيب في آن واحد تبعاً لكونه عقلنا أو عقل غيرنا، ومثله عاطفتك التي ستراها مبررةً وتزيد فتعقلنها، وعاطفة غيرك التي ستظل الأقل في معيارك. وهذه لعبة فلسفية لعبها أفلاطون وهيوم فيما بينهما فلسفياً، ونحن نلعبها سلوكياً وتنظيرياً وإن بطريقة تلقائية لا تجهر بمقولة إن العقل يخدم العاطفة، وستظل هذه المقولة صادمةً ولو لم يقلها فيلسوف كبير لما وجدت قبولاً في البحث الفلسفي، غير أن ما هو ثابت عملياً هو أن العاطفة تحكم، ويمكننا أن نقرأ أعظم أحداث العالم التي غيرت وتغير مساراته على أنها من باب حكم العاطفة، ولن تكون من حكم العقل إلا حين يعقلن العاطفة، ويرتضي أن يكون في خدمتها.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©