أصبح الوافدون لزيارة واشنطن يُفاجأون الآن بمنظر صادم لملابس معلقة على حبل، تتأرجح في الهواء في قلب مدينة خيام قريبة من الكونجرس، وهذا ليس منظراً مقتصراً على واشنطن. 
وفي هذا العام من الجائحة، رأيت مخيمات مترامية الأطراف للمشردين تتسع في لوس أنجلوس وفينس بيتش في كاليفورنيا، وسان فرانسيسكو، وبورت لاند في ولاية أوريجون، وبورت لاند في ولاية مين، وفي سياتل، ورينو في نيفادا وبوسطن في فلادليفيا، ونيويورك. وكل هذه الأماكن رأيتها من قبل ورأيت المشردين فيها على مدار أعوام، لكن الأمر مختلف هذه المرة. فالمخيمات أكثر عدداً بالتأكيد. وتظهر في أماكن جديدة في المدن. فلم تعد تشغل الأزقة ومساحات الأراضي الخالية، كي يحظى فيها المشردون بنوم دون إزعاج، بل أصبحت موجودة في الأماكن التي يعيش فيها الناس وأصبحت تمثل تجمعات سكانية. ويستطيع المرء رؤية هذا في تغير معالمها. فلم تكن من قبل إلا صفوفاً من الخيم التي يمكن إغلاقها، ويوجد أحياناً عربة تسوق في الخارج، لكن في ظل الجائحة، أصبحت المخيمات أماكن منظمة بها غرف معيشة وجلوس ومرافق في الهواء الطلق. 

فقد يرى المرء طاولة لكي الملابس ومقاعد للاسترخاء وحشيات للنوم وأماكن للشواء وطاولة لتناول الطعام حولها مقاعد لستة أشخاص. ومررت بأحد هذه المخيمات في العاصمة واشنطن في الأيام القليلة الماضية، فرأيت طاولة ومرآة للزينة كما لو أنها في غرفة نوم خارج خيمة تماماً. فلماذا هذا يحدث؟ فالبيانات تشير إلى أن عدد الناس الذين بلا منازل لا يتصاعد بشدة. ففي يناير عام 2020، أشارت وزارة الإسكان والتنمية الحضرية إلى أن هناك 580 ألف شخص دون عنوان دائم في زيادة بنسبة 2% منذ عام 2019. 
والأرقام لم تتغير. وجاء في تقرير الوزارة المقدم للكونجرس أن «عام 2020 يشهد أول مرة، منذ بداية جمع البيانات، تفوق عدد الأفراد الذين يبيتون في العراء على عدد الذين يقيمون في مكان إيواء، من إجمالي عدد الذين بلا مأوى. وهذا يعني أن هناك عدداً أكبر من الأفراد ينامون في الشوارع ومداخل المباني وفي الخيام». ولأن الجائحة قلصت بعضاً من الإحصاءات التي كان يجب أن تقوم بها الوكالات الحكومية عام 2021، مازال من غير الواضح كيف غيرت الجائحة طبيعة انعدام المأوى في أميركا. ففي العاصمة واشنطن، تظهر الأعداد تقدماً مع تقلص عدد الذين بلا مأوى من 6380 إلى 5111 مشرداً. وأفضل الأنباء هي أن هناك تقلصاً في عدد الأسر وكبار السن الذين بلا مأوى. 

لكن المدينة لا تعطي انطباعاً بهذا، مع تواجد مخيمات جديدة كبيرة ومنتشرة لدرجة أن المدينة بدأت توفر دورات مياه منقولة مثل تلك التي تقام مع الحفلات العامة في الهواء الطلق. لكن هذه المخيمات أكثر سلامة، من وجهة نظر البعض. فقد حدثني أحد المشردين، وهو يتناول فطوره في مركز خيري في منطقة «فوجي بوتوم» في واشنطن قائلاً: «لا أريد دخول مأوى»، قد يمرض فيه المرء. وهو يدفع 83 دولاراً في الشهر في استئجار خزانة لمتاعه، لكنه مقتنع أن الإقامة في المأوى في ظل الجائحة ليس مأمون العواقب. والواقع أن أماكن الإيواء شهدت تفشياً للمرض. فقد كشفت اختبارات عن إصابة أكثر من 550 من المشردين بالفيروس ووفاة أكثر من 40 شخصاً منهم بسبب كوفيد-19 في واشنطن، وفقاً لبيانات إدارة الخدمات الإنسانية في واشنطن. 

إنها أزمة على أوضح ما يكون في أكبر مدن أميركا مما يجعل الثرثرة السياسية بأن تصفها بأنها مشكلة «الديمقراطيين». لكن هذا ليس صحيحاً. ومدن الخيام في هذه الجائحة مشكلة يعاني منها الحزبان. فرؤساء البلديات «الجمهوريون»، من فريسنو في كاليفورنيا وفورت وورث وجاكسونفيل في فلوريدا وميامي وأوكلاهوما ستي إلى كولورادو سبيرنجز، يجدون صعوبة في معالجة مشكلة المخيمات التي تنتعش في أنحاء مدنهم. 
فما هو الحل؟ المدن لجأت إلى الشاحنات والجرافات في «تطهير» وإغلاق مناطق المخيمات. بل ظهرت شركة مقرها فورت مايزر بولاية فلوريدا أعلنت أنها «ستعيد إصلاح والتخلص من التلوث» في منطقة للمخيمات. وهذا يعني عادة التخلص منها، رغم حث «مراكز التحكم في الأمراض والوقاية منها» الحكومات المحلية على ترك المخيمات وشأنها. وذكر تقرير للوكالة الاتحادية أن «إزالة المخيمات قد يجعل الناس ينتشرون في المنطقة وتنقطع صلتهم بمقدمي الخدمات، وهذا سيزيد احتمال انتشار المرض المعدي». كما أنهم بشر، وإلقاء متاعهم الرث في شاحنة نقل لا يصلح شيئاً في حياتهم. 
والحل معقد ويتمثل في مزيج من الإسكان غير المشروط والدعم للصحة النفسية والعلاج من الإدمان والرعاية الصحية والتدريب على وظائف معينة. وكما هو الحال دوماً، لن يحركنا التعاطف أو الالتزام الأخلاقي بحقوق الإنسان أو الرغبة في جعل المجتمع أكثر إنتاجية. ربما لن يحركنا أخيراً إلا الحبال المعلق عليها الملابس حول الكونجرس والبيت الأبيض. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»