تضاءل في السنوات الأخيرة تدفق الهجرة غير النظامية إلى الاتحاد الأوروبي، لكن التطورات الأخيرة في أفغانستان أثارت المخاوف الأوروبية من الهجرة مرة أخرى. بل إن دولا مثل المجر وسلوفينيا والنمسا أبدت تحفظها على خطة الاتحاد لاحتضان بعض الأفغان من طالبي اللجوء، معتبرةً أن «الهجرة تغير الهوية الثقافية لأوروبا، وأن هناك خلافات داخل الاتحاد بهذا الشأن». وبالمقابل، أعلن البرلمان الأوروبي صراحةً عن خيبة أمله بسبب وضع قيود أمام الفارين من أفغانستان، بحيث ظهر الخلاف جلياً الأسبوع الماضي خلال «منتدى بليد الاستراتيجي» (BSF)، وهو مؤتمر دولي سنوي ينظم منذ عام 2006، يتم استضافته في «بليد» بسلوفينيا، للتعبير عن آراء وسط وجنوب شرق أوروبا.
وبسبب اعتماد الدول الأوروبية لإخراج مواطنيها من العاصمة الأفغانية على الجيش الأميركي، والذي اطلع بمهام تشغيل المطار أثناء عمليات الإجلاء الجوي، وعلى خلفية انفراد البيت الأبيض بقرار الانسحاب العسكري من أفغانستان.. ظهرت الدعوات الأوروبية إلى الاستقلالية في صنع القرار والعمل بقدرة أكبر حول العالم. وبشأن التعاون عبر الأطلسي، سلّط رئيس المجلس الأوروبي (شارل ميشيل) الضوءَ على أهمية التعاون مع حلف «الناتو» وشدد على تزايد أهمية تطوير الحكم الذاتي الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي، وقال في هذا السياق: «الاتحاد الأوروبي يجب أن يتخذ إجراءات تمكنه من الاستعداد بشكل أفضل لعمليات الإجلاء العسكرية لرعاياه في مواقف مثل التي رأيناها في أفغانستان خلال الأسابيع الأخيرة». وأضاف ميشيل في «منتدى بليد»: «من وجهة نظري، لسنا بحاجة إلى حدث جيوسياسي آخر من هذا القبيل لندرك ضرورة أن يسعى الاتحاد الأوروبي من أجل استقلالية أكبر في صنع القرار وامتلاك قدرة أكبر على العمل في العالم».
وفي هذه الأوقات، يُجري وزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي محادثات بشأن الهجرة على خلفية التطورات الجارية في أفغانستان، مع قلق من احتمال تزايد أعداد الراغبين في الهجرة. وبهذا الخصوص، يصوغ بعض قادة الاتحاد استراتيجيات لكيفية تجنب تكرار أحداث العامين 2015 و2016 عندما قام مئات الآلاف، معظمهم سوريون، برحلة محفوفة بالمخاطر لطلب الحماية في دول أوروبية. وفي حين أكد بعض ساسة الاتحاد ووكالة الأمم المتحدة للاجئين ومنظمات حقوقية مختلفة على الحاجة إلى حماية المعرضين للخطر، شددت دول مثل فرنسا وألمانيا واليونان وإيطاليا على ضرورة تحرك الاتحاد الأوروبي استباقياً حتى لا يُواجَه بموجة هجرة جديدة. وقد كانت المستشارة الألمانية (أنجيلا ميركل) الأوضح بين القادة الأوروبيين حين أعلنت: «ينبغي على التكتل تقديم الدعم لجيران أفغانستان لإبقاء اللاجئين في المنطقة». وبالمقابل، انتقد وزير خارجية لوكسمبورغ (جان اسيلبورن) زملاءه الألمان والنمساويين والسلوفينيين بالقول إن «دعم الأشخاص المعرضين لخطر مميت يجب أن يكون أولويةً بدلا من تأمين الحدود وتنظيم العودة إلى الوطن».
العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين انتقدوا تراخي واشنطن في تنسيق الخروج من أفغانستان مع الاتحاد الأوروبي، وقد تعالت الأصوات في داخل الاتحاد محذرةً من تأثر مستقبل التعاون الأمني عبر الأطلسي، حيث بات الحديث علانيةً عن الحاجة إلى تخطيط وتنفيذ السياسة الخارجية لدول الاتحاد بشكل أكثر استقلاليةً. لكن، في ظلال القوة الاستثنائية للولايات المتحدة، يراهن العديد المراقبين على أن هذه الدعوات الأوروبية لن يكون لها المفعول المأمول.


كاتب وباحث سياسي