استكمالاً للحديث حول القوى المتحركة التي تواجهها السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، فإن القوى الاقتصادية تعتبر عنصراً مهماً في هذا السياق، ونشير إلى أنه في الوقت الذي لا نتفق فيه مع الطروحات القائلة بوجود اقتصادات وطنية كاملة الثبات عبر التاريخ، إلا أن البشر يحتاجون دائماً إلى الغذاء لاستمرار الحياة، ما يستدعي السعي إلى توفيره بشتى الوسائل، الأمر الذي يؤدي إلى خلق قوى وضغوط اقتصادية مستمرة على كل من الدول المنتجة والمصدرة والمستوردة والمستهلكة له.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن القوى الاقتصادية الأخرى تلعب دوراً كبيراً في علاقات الدول ببعضها بعضاً، فنفط منطقة الخليج العربي التي تقع فيها دولة الإمارات، والثروات المتولدة عن وجوده كسلعة عالمية استراتيجية هي التي تجعل دول العالم الصناعية الكبرى تتهافت لوضعه تحت سيطرتها، وجعل الخليج العربي أحد مناطق نفوذها الرئيسة. إن إمكانية نضوب النفط في المستقبل، وعدم اكتشاف بدائل ناجعة له حتى الآن هي التي تجعل من دول الخليج العربي محط أنظار الجميع في هذه المرحلة من تاريخها.

وتقود عملية التسابق بين دول العالم المستهلكة للنفط لضمان سلامة الإمدادات النفطية إلى رغبة الدول الصناعية الرئيسة في الحصول على حصص مجزية فيه، بالإضافة إلى سعيها إلى الحصول على أكبر قدر ممكن من حصة أسواق المنطقة لتصريف منتجاتها الاستهلاكية فيها، ما يؤدي بدوره إلى شروخ وتصدعات مستمرة في علاقات دوله بالعالم الخارجي، مثلما أدى إلى نشوب أربع حروب مدمرة خلال أقل من ثلاثين سنة.

وفي هذا السياق، فإن الإصرار على مقولة إن المصالح الاقتصادية والتجارية هي التي تسير خلف البيرق وليس العكس، أدت إلى تكبيد المنطقة مئات الآلاف من القتلى منذ نشوب الحرب العراقية - الإيرانية عام 1980، وإلى تدفق أنهار من دماء الأبرياء وقصص مؤلمة غير مروية من الحزن والأسى، وإلى خسارة مليارات الدولارات من أموال جميع الدول الضالعة في تلك الحروب.

النهوض السريع وغير العادي والنمو الاقتصادي المصاحب له الذي تشهده عدد من دول العالم خارج المنظومة الغربية التقليدية، خاصة الصين والهند وروسيا، بالإضافة إلى القدرات العسكرية المصاحبة، تضع السياسة الخارجية لدولة الإمارات أمام واقع جديد وتحديات جديدة يتحتم عليها التعامل معها، وهذا الوضع له توابعه وتداعياته المستقبلية إذا ما استمر نمو أطراف أخرى من دول العالم بنفس السرعة على الصعيدين الاقتصادي والعسكري.

ويعتبر إيراد اسم كل من الصين والهند وروسيا لافتاً للنظر لأن هذه الأقطار، هي أكثر دول العالم كثافة بالسكان، وهي أعضاء في النادي النووي منذ زمن ليس بالقصير، ويعتبر دخولها في دائرة الدول الكبرى، ودعوتها للمشاركة في النقاشات العالمية الدائرة حول الاقتصاد والأمن وسلامة البيئة العالمية من الأمور الآخذة في تغيير طبيعة العلاقات الدولية والدبلوماسية القائمة في عالم اليوم.

ورغم أن روسيا لا تعتبر بقادم جديد إلى نادي الدول الكبرى، لأنها وريث الاتحاد السوفييتي السابق، إلا أن عودتها مرة أخرى إلى لعب أدوار ملحوظة في الشؤون الاقتصادية والسياسية الدولية على الصعيدين الإقليمي والعالمي هو مؤشر واضح على إمكانية ظهور نظام دولي جديد، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية المحير من كل من العراق وأفغانستان.

والدور الروسي الجديد في المنطقة العربية وجوارها الجغرافي يتزامن مع وجود حكومة وطنية روسية تسيطر على موارد اقتصادية ضخمة ومصادر للطاقة، وتحظى بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي ورثتها من الاتحاد السوفييتي السابق.

والصعود المتزامن لكل من الصين والهند وروسيا كدول كبرى ذات وزن اقتصادي وسياسي وعسكري واستراتيجية خارج المجال الغربي التقليدي القديم «أميركا الشمالية والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأستراليا» يحتاج من السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة الانتباه إلى أمرين: الأول أن المنظومة التي يقع الجزء الأعظم منها في آسيا يمكن أن تشكل تحالفاً اقتصادياً - سياسياً وعسكرياً جديداً. والثاني أن التحالف الجديد سيحتاج إلى من يدفع به ويدعمه لإيجاد نظام دولي جديد يقود العالم إلى السلام والأمن والاستقرار.

* كاتب إماراتي