كلما نصحو صباحاً نتساءل: ماذا سنأكل لوجبة الفطور اليوم فيقترح كل فرد نوعاً من الوجبات التي تنتشر أوصافها في المجلات والمواقع الإلكترونية. وكذلك عندما يأتي موعد وجبة الغداء والعشاء. فقد انتشر التطور والتنوع في فن الطعام والطبخ في العصور الحديثة حتى نسينا وجباتنا الشعبية. فقد اتخذت مطابخ العالم دوراً بالغ التأثير على موائد البيوت والمطاعم، وحولتها إلى مشهد فاتنٍ زاخر بكل أصناف الطعام التي تبدعها مطابخ الدول شرقاً وغرباً. وجعلت من تنوعها غاية تستهلك الجهد والمال والتفكير. وهو أمر بديهي حيث إن الإحساس بالجوع يولد النداء الدائم للطعام.
ولكن ليس الجوع وحده سبباً لما قد نراه من كثافة شراء الأطعمة والانهماك في إعداد الأصناف الكثيرة والمتنوعة لوجبات يوم واحد، بل بما تراكم من أنواع الأطعمة التي تناقلت صفاتها بين شعوب العالم، حتى نسينا طبخاتنا التقليدية وعاداتنا في إعدادها، حتى في أكثر البيوت عوزاً. 
فالطعام يظل قضية الإنسان الكبرى عبر كل العصور بسبب ارتباطه الوثيق بمسألة الاستمرار في الحياة. ومع ذلك فقد أهمل موضوع الطعام في كثير من الأبحاث والدراسات، بسبب الاعتقاد بأن موضوعاً كالطعام هو أقل أهمية وأدنى في المرتبة من قضايا المصير وصراع الوجود الذي تخوضه الأمم في كل أزمنتها. ولكن الحياة أشد اتساعاً ورحابة من أن تنغلق على بعد واحد، والطعام ليس سوى مفردة تختزل كل دلالات الصراع البشري منذ نشوء الإنسان إلى الآن. ولأننا نرغب في معرفة الكثير عن موضوع الطعام وأنواعه، وفنون طهوه، وآداب تناوله، وفوائده وأدوات طهيه وإعداده في العصر الراهن، أصبحت المكتبات تكتظ بكتب الطبخ من كل نوع وبلد. ودور النشر تتسابق على إصدار هذه الكتب الأكثر رواجاً من أية معارف أخرى. كما تتبارى محطات التلفزيون وقنواتها وجميع وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً بتعدد أنواعها وغاياتها، في تقديم أكثر برامج الطبخ تشويقاً وابتكاراً. كما أصبح الطبخ فناً وعلماً له أصوله ومدارسه وأساتذته. وقد حول هذا الانتشار الواسع لأدبيات الطبخ المحلي والعالمي موائدنا إلى خليط من مطابخ العالم حتى تعذر فرز ما هو شعبي تقليدي متوارث في وجباتنا اليومية، وما هو متناقل عن مطابخ الشعوب وفنون طهوها. والجدير بالملاحظة والانتباه أنه حين عجزت صراعات الشعوب وإيديولوجياتها عن توحيد العالم، فإن الطعام وحده قد وحّدَ العالم في ثقافة المطبخ وأصبح رمزاً للسلام، لأنه يمر بأكثر الطرق سلمية ورضى!