العراق حاضنة وحاضرة العالم العربي والإسلامي لقرون عديدة وسنين مديدة. عراق الرشيد والمأمون والحجاج، كلهم بين أعيننا اليوم بحكم الضرورة القصوى.
وقمة الشراكة في بغداد، مع حضور ممثلين عن العالم الغربي والعربي والإسلامي والخليجي، دليل قاطع على عودة العراق كأحد الأعمدة الإقليمية للأمن والسلم والاستقرار في المنطقة.
وقد غرد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، على «تويتر»، قائلاً: «عاصمة الرشيد والمأمون وعاصمة العالم.. دار السلام.. بيت حكمة البشر.. بغداد الشعراء والأدباء والعلماء.. بغداد دجلة والفرات.. رغم جراحها متفائلين بعودتها ونهضتها ومجدها بإذن الله.. حفظ الله بغداد.. حفظ الله شعب العراق العظيم». 

سأوضح لماذا نحتاج الآن وليس غداً إلى عراق الماضي والحاضر والمستقبل؟!
أبدأ بعراق هارون الرشيد، الذي كان يجاهد سنة، ويحج سنة وقد حج أبوحنيفة خمسين مرة، وهو بائع الخام، ويدعو في صلاته ويلتزم بهذا الدعاء «اللهم اغفر لي تقصيري في أداء فرائضك وسننك وواجبات الدعوة إليك» كذلك خمسين عاماً في كل صلاة.
يقول الإمام أحمد كانت حبة القمح في زمن الرشيد بحجم نوات التمر، وعندما زاد الظلم تقلص حجمها نحو حبة الرز. يخاطب الرشيد السحابة يوماً وهو ينظر إليها قائلاً: أمطري حيث تمطرين فإن خراجك يصل إلي أينما اتجهت.
يضحك أبويوسف قاضي القضاة، وهو التلميذ المميز لأبي حنيفة يوماً في مجلس الرشيد، فيسأله: ما الذي يضحكك يا أبا يوسف؟!
قال:تذكرت شيخي أبا حنيفة النعمان يوماً وأنا في بداية تعليمي بين يديه وهو يقول لي: يا أبا يوسف سيكون لك شأن عظيم، وستأكل «الفالوذة» في مجلس هارون الرشيد.
أما المأمون، فهو صانع التنوير الحقيقي في مجد الإسلام وعزه، فقد انتشر في زمنه علم الأولين والآخرين. فالترجمة في عهده شعاع التنوير. لقد ملأ المأمون «دار الحكمة» من علوم البشرية الدرر والتي توازي اليوم مكتبة الكونجرس التي تحتوي أكثر من ثلاثين مليون كتاب مما أنتجت عقول أهل الأرض جميعاً.
وقد هدمها عدو الحضارة الأول هولاكو وتخلص معها من العقول التي أهدت العالم أثمن ما لديها وقد صنع منها جماجم ليري العالم بربريته وكرهه للقلم والقرطاس.
أما مجلس المأمون فقد كان رواده من كل الأديان التي كانت معروفة على الكرة الأرضية آنذاك، فلم يعرف عنه أنه أقصى فكراً معيناً عن مجلسه بعيداً، فلا طائفية ولا إسلاموية، بل قطرات من ندى الإنسانية تهطل في ثناياه.
أما عراق الحاضر، فقد ظل حارس البوابة الشرقية للأمة العربية الذي وقف صامداً لثماني سنوات عجاف من عمر حرب الخليج الأولى.
وفي 2003 غزت أميركا العراق بذريعة أسلحة الدمار الشامل وقد تضرر العراق بعد الغزو من سياسات حكومات طائفية، عاقبت الناس على الهوية.
بعد الغزو الأميركي، كان الغازي «داعش» يكمل مشوار الاحتلال باسم «الخلافة» المزيفة، والإسلام بريء منه.
ثم دحرجت الديمقراطية حكومات، استولت إحداها على 680 مليار دولار في صفقة واحدة، وتركت خزانة العراق خاوية، والدجلة والفرات تشكو الأمرين.
وقد حان الوقت ليتشارك الجميع في إعادة العراق إلى عراقته وأصالة حضارته التي أبهرت القاصي والداني لعهود متتالية.
كاتب إماراتي