ليست مشكلة إذا خص الفقه معتقدي المذهب، يتعاملون به في «العبادات والمعاملات»، ومِن ضمنها الخُمْسُ، لكنه عقبةٌ كأداءُ أمام وجود الدَّولة، عندما تهيمن مفاهيمه عليها، ووفقها يُحسب ما تملكه الدَّولة ملكاً للإمام الغائب، وإذا لم يكن صِرفاً فله ولنائبهِ الفقيه الخُمس منه (20%). ورد: «خلق الله تعالى آدم وأقطعه الدُّنيا قطيعةً، فما كان لآدم فلرسول الله(ص) وما كان لرسول الله(ص) فهو للأئمة مِن آل محمد»(النَّجفي، جواهر الكلام في شرائع الإسلام).

فمِن المعلوم أنَّ وارثَ الأئمة هو الإمام المنتظر، ثم نائبه الحاضر الحيّ، الذي تُجبى له «الحقوق» أيّ الخُمس. جاء في الموسوعات الفقهيَّة الإماميَّة، القديمة والحديثة، أن للإمام حصةَ الخُمْس مِن المعادن، ومع أنّ النِّفط لم يُشكل ثروةَ الدُّول قديماً، إلا أنه كان يستخدم في الإضاءة والحروب، فقد ذُكر بالاسم مع المعادن، وهي اليوم الممتلكات الوطنيَّة، ليس لطائفة أو فقيه التَّصرف بها.

قديماً جاء في «وسائل الشِّيعة» للحر العاملي(ت: 1692): «وجوب الخُمْس في المعادن كلّها مِن الذَّهب والفضة والصُّفر والحديد والرَّصاص والملاحة(الملح) والكبريت والنِّفط». كان النِّفط عند الأقدمين مادة مكروهة، ولايته مِن مساوئ الولايات، فهذا عبد الصَّمد بن المُعذل(ت: 240هجريَّة) هجا صاحبه والي «النِّفاطات»(العيون التي يسيل منها النِّفط ورماة المشاعل): «بِحِفظِ عُيُونِ اَلنِّفطِ أَحْدَثَتْ نَخوَةً/ فَكَيفَ بِهِ لَو كانَ مِسكاً وَعَنبَرا/ دَعْ الكِبَرَ وَاستَبَقَ التَّواضعُ إِنَّهُ/ قَبِيحٌ بِوَالِي النِّفطُ أَن يَتَكبَّرَا»(البَيهقي، المحاسن والمساوئ).

غير أنَّ الزَّمنَ تبدل، فأصبح النِّفط محبوباً، قوام اقتصاد الدُّول. جاء النِّفط بالاسم عند المتأخرين أيضاً، فحسب موسوعة الخوئي(ت: 1992) الخُمس في: «الذَّهب والفضة والرَّصاص والصُّفر والحديد والياقوت والزبرجد والفيروز والعقيق والزِّئبق والكبريت والنِّفط والقير»(موقع مؤسسة الإمام الخوئي). ورد النص في «تحرير الوسيلة» للخميني(ت: 1989) وغيرهما.

يلفت عنوان «كتاب الخُمس» لفياض الدِّين الزّنجاني(ت: 1940) «ذخاير الإماميَّة»، إلى أنَّ الخُمسَ ذخيرةُ الطَّائفة، وهذا لا اعتراض عليه، إذا لم يتعلق بالدَّولة، لكن عندما يكون الفقهاء زعماءَ الدولة وفق ولاية الفقيه، أو عن طريق الأحزاب الدينية، هنا تبرز المواطنة، لأن الرسائل الفقهيَّة ملزمة للأتباع لا المواطنين، فكيف يكون الخمس مِن النِّفط؟ وهل تكون تلك المعادن ملكاً للفقيه، لأنَّه نائب الإمام؟ هذا الكلام أخذ يُمارس بلا إعلان، ومعلوم أنَّ البلدان المختلطة مذهبياً ودينياً، مثل العِراق، لا تعنيها الرَّسائل الفقهيَّة.

أقول: هل تستطيع حكومةٌ، مؤلفة في غالبها مِن الأحزاب الدِّينيَّة، التي لا تقطع أمراً إلا بمشورة مراجعها، إهمال فريضة(الخُمْس) التي قررتها رسائل المراجع العملية على «النِّفط» أو سائر المال العام؟ وهي تشير إلى اعتبار «الخُمْسِ»: «مِن الواجبات الماليَّة، فمَن منع درهماً كان مِن الظَّالمين لمحمد وآله، والغاصبين لحقِّهم كما جاء التَّنصيص عليه في الحديث»(القزويني، الشِّيعة في عقائدهم وأحكامهم). علماً أنَّ وزيراً إسلامياً ثم نائباً لرئيس جمهوريَّة صرحَ عن منصبه: أنه «تكليف شرعيَّ»، أيّ وفق الرّسائل الفقهية! وأنَّ للأحزاب الدِّينية مكاتب اقتصاديَّة تعمل وفق تلك الرَّسائل. أقول: هل يمكن محاربة الفساد المالي بسرقات النِّفط، والمال المختلس يُطهر بإخراج سهم الإمام منه (الخمس)؟! ما قدمناه مِن عدم الإقرار بحقِّ الدَّولة على ما تحت الأرض وفوقها، يُشرعن للفساد وفق «تطهير المال عن الوسخ الحاصل فيه»(الزِّنجاني) أيّ بدفع حِصة الإمام منه، يصبح حلالاً!

* كاتب عراقي