جميل أن نخرس العنف اللفظي من الشارع، ومن المنزل، ومن الأماكن العامة، وكنّا أوائل المنادين بضرورة ضبطه وبشدة، ومنذ وقت، بعد ما تغيرت طبيعة المجتمع، واختلطت الحياة بالناس الكثيرين والمختلفين، ودخلت علينا ثقافات عدة، لكن، وكعادة معظم الأشياء التي يراد منها الخير، يحولها بعض الناس إلى شر واستغلال، ومحاولة التكسب منها، ولو لجؤوا لأساليب الابتزاز، والطرق الرخيصة، مثلما يرفع ابن قضية على أمه، لأنها أغلظت لذلك «اليعري» في القول، وسبّته بأنه «باير.. وليتها صبّته دماً» أو كحماة، تطرقت لزوجته التي غدا يكرمها «اليعري» أكثر من أمه، ويعزها، ولا يكسر لها أمراً، حتى في رفع قضية على أمه، أو مثل ذلك الابن الكويتي الذي سمعت قصته، وأنه رفع قضية سب على أبيه حين نعته بـ «الحمار»، فدخل مع أبيه في دعاوى ومحاكم، وغُرّم الأب على تلك الكلمة التي كان يقولها لابنه حين كان صغيراً من باب الشدة والغلطة والتربية القديمة، وعندنا قصص مشابهة.. تزعل من زوجتك، فتسبها عرضاً، وفي ساعة غضب، كما يحدث في كل منازل العائلات في العالم بمختلف ثقافاته وأجناسه وأعراقه، لكنه ما «يواحي» الزوج الموظف أن يصل مكتبه، وإذا بـ «الحرمة صابحة شكّاية»، ثم يتلقى اتصالاً من جهات الاختصاص بأن عليه شكوى مرفوعة من زوجته، وعليه الحضور، والمثول أمام المحاكم للنظر في قضية السب أو العنف اللفظي، فيسقط في يد الزوج، ويعاند، ويدفع الغرامة، ويطلِّق، ويضيع الأولاد بسبب جملة غير صحيحة، وكثيراً ما تقال للدهشة والتعجب: «أنت ما تستحين»! لتتحول قانونياً إلى جملة أخرى ترجمتها الزوجة إلى: «قليلة الحياء، يعني مش متربية، وامرأة سيئة السمعة، ويمكن أن تفعل أي شيء لا أخلاقي، وأنها تواعد رياييل»!
حتى أنها ظهرت لدينا عصابات تشتغل خارج نطاق المنازل والأعشاش الزوجية، هؤلاء يتصيدون السذج والذين يخطفون على الأخضر واليابس، ويستدرجونهم حتى يتمكنوا منهم، فيبتزونهم، فإن رضخ الواحد ودفع سلم من المحاكم، وإن سب ولعن وشعن لبَّسوه قضية على سوء ألفاظه وقذفه «للمحصنات الغافلات» ودفّعوه ما وراءه ودونه!
«بصراحة.. مصاخة».. والله لو تسمعون بتلك القصص التي يشيب لها جناح الغراب لهالكم الأمر، وضربتم أخماساً في أسداس، ولقال كل واحد منكم: يا لساني.. اسكت! الوحيدة التي نجحت الأمور معها في هذا المسألة «الحاجة سهيلة»، لأنها تتبع التقية أو كما تقول: «اتق.. تبقى» متخذة من مزمار «حسين الجسمي» في أنشودته التاريخية: «فقدتك..»، فأفرح لقولها لأنها تدعو عليّ بالموت الزؤام، فأهرع لأسجل لها قولها دليل إدانتها، فتدرك بحسها الأنثوي الأمني أنها ربما تقع في مصيدة: «سبّيتني.. أدفع»، لتعقبها مباشرة بقولها وهي مبتسمة: «فقدتك.. يا أعز الناس»! فتضيع القضية، وتلين عظامي، واتبريد، وأشعر بقشعريرة الهزيمة، وخسارة تلك الأموال التي «تمزر بها الحاجة سهيلة مندوسها»!