أعقب السقوط المتسارع للدولة الأفغانية في يد حركة طالبان حالة من الترقب وإنْ لم يكن من الصمت أثر المشاهد المفجعة لعمليات الفرار الجماعية والفوضوية، إلا أن عدداً من الدول سارعت إلى إبداء رغبتها ببناء علاقات ثنائية مع الحركة، ويأتي على رأس هذه الدول الصين التي تتشارك حدوداً مع أفغانستان بطول 76 كيلومتراً عبارة عن مرتفعات شاهقة لا تتخللها أي معابر حدودية.

لكن امتداد الحدود بمحاذاة منطقة شينجيانغ ذات الأغلبية المسلمة من شأنه أن يشكل قلقاً لبكين لابد من احتواءه بالتعاون مع الحكومة الأفغانية أو حركة «طالبان»، أو أي حكومة مستقبلية لأفغانستان، لذا صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا شونيينغ، أن بكين «تحترم حق الشعب الأفغاني في تقرير مصيره ومستقبله».

يتشكل المصدر الرئيسي لمخاوف بكين من جانب أفغانستان في احتمال ظهور تهديدات مستقبلية لها باستخدام حركة شرق تركستان الشرقية الانفصالية في إقليم الإيغور لأفغانستان كنقطة انطلاق، وكانت الأمم المتحدة والولايات المتحدة في عام 2002، قد استجابت للصين وصنفت الحركة رسمياً كجماعة إرهابية نتيجة لصلات مفترضة مع تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان»، إلا أن الولايات المتحدة رفعت الجماعة عن قائمتها للإرهاب عام 2020، وهو ما انتقدته الصين.

وقبل استيلاء حركة «طالبان» على الحكومة في كابول، سعت الصين إلى التفاوض مع الحركة، فكان إن عقدت لقاءات مشتركة في بكين بناء على دعوة الحكومة الصينية في 18 من يوليو الماضي أكدت فيها حركة طالبان وبشكل صريح ومباشر على لسان المتحدث باسمها عبد الغنى برادار إن «طالبان لن تسمح لأي قوة باستخدام الأراضي الأفغانية للقيام بأعمال تضر الصين».

ومن جانبها تعهدت الصين «بعدم التدخل في الشؤون الأفغانية، إنما على العكس المساعدة في حلّ المشاكل وإرساء السلام». تشكل أفغانستان فرصة استثمارية للصين، فأفغانستان التي تعد أحد أفقر بلدان العالم، تمتلك موارد وثروات طبيعية من خام الحديد والنحاس والليثيوم والكوبالت ومعادن أخرى تقدر بقرابة تريليون دولار، لم يتم استغلالها بسبب الصراعات.

وتقود الصين السباق لمساعدة أفغانستان في بناء نظام تعدين فعال لتلبية احتياجات الصين الكبيرة من المعادن، وكذلك سيضمن الاستقرار السياسي في أفغانستان الفرصة لانضمامها لمبادرة «الحزام والطريق» الضخمة التي أطلقتها الصين لربط آسيا بأوروبا من خلال سلسلة من الموانئ وخطوط السكك الحديدية. ترتسم الواقعية السياسية على الحدود الأفغانية- الصينية، إذ تتصدر المصالح المشتركة على التمايزات الأيديولوجية والدينية، فالاعتراف الصيني بطالبان يعتبر نجاح لدبلوماسية الحركة، التي نشطت خلال الأشهر الماضية للحصول على دعم واعتراف عضو دائم في مجلس الأمن بشرعية طالبان.

ومن ناحية أخرى تراهن الحركة على تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثمارات الصينية في أفغانستان. أما الصين، فاستقرار حدودها مع أفغانستان من شأنه أن يدفع بالصين إلى لعب دور رئيس في مشاريع إعادة إعمار أفغانستان وتحقيق تنمية اقتصادية في المستقبل، فالحديث حديث مصالح أولاً وأخيراً.

* كاتبة إماراتية